15 فبراير 2009

طرفان متطرفان...وفجوة تتسع بإستمرار


اليوم...14 فبراير، فى العالم كله يستيقظ الجميع سعداء، فاليوم هو عيد الحب، كل من له شخص يحبه يبحث عن أى باقة رقيقة من الورود أو الشيكولاته يهديها له/لها.

ولكن هنا فى بلدى العزيز، الحال يختلف كالعادة، تستيقظ، تذهب إلى عملك -الجامعة فى حالتى- لتفاجأ بأغرب الأفكار والآراء والأفعال. كنت أتوقع أن أرى تلك الأفكار، ولكن ليس بهذه النسب الغريبة، أين ذهب العقلاء من الوسطيين اللذين يحتفلون فى هدوء وحب حقيقى؟

بمجرد دخولك، ترى هناك مجموعة من الشباب والشابات غريبى الشكل، الأصوات متعالية بشكل مستفز، تفكّر "دول لو كانوا فى نادى كانوا بقوا أهدى من كدة بكتييير" ثم تنظر لهم فى شفقة وتقول "معلش شباب طايش، تلاقيهم لسه أول سنه، بكره الكلية تقضى عليهم".

تتحرك لتلقى التحية على بعض من معارفك من الشباب المحرومين، فقط لتجد أن ليس لهم هم سوى مشاهدة المجموعات من عيّنة المجموعة السابق ذكرها، ولا مانع من اطلاق بعض التعليقات القذرة من حين لآخر، تقول فى سرّك "معلش الحرمان وحش"، ثم تحاول الهرب منهم، "ده انتوا عيال شُبهه يخرب بيوتكوا!"...

تلمح من بعيد مجموعة أخرى من الزملاء، مجموعة تحترمها وتحبها وتقدرها جداً، تشعر بالسعادة أنك وجدتهم وتهرب إليهم، ثم تقترب منهم، فقط لتجد أن أحدهم يعظ الآخرين عن تحريم الإحتفال بهذا العيد الوثنى، والكارثة أن كلهم تقريباً لهم ارتباطاتهم مع زميلات لنا فى الكلية من نوع "أهالينا عارفين واحنا شبة مخطوبين" !!

هنا تشرد مفكراً، ماذا حدث للجميع؟؟

أين ذهب العاقلون؟ من كانوا يحتفلون بهذا العيد مدركين جيداً المعنى الأسمى منه وهو تذكير الناس بأن يحبوا بعضهم بعضاً؟

لماذا انقسمت النسبة العظمى من الشباب إما إلى شباب سفية أو إلى شباب متعصب (سواء كان تعصب باطن أو ظاهر فكليهما يؤديان إلى نفس النتيجة)؟؟

دعك من مجموعة المحرومين، فهذه قصة أخرى تماماً، وتحتاج إلى عشرات المقالات، لكن لنركّر الآن على الفئتين اللافتتين للنظر بشكل ملحوظ، واللذين يبعدان عن بعضهم البعض مسافة شاسعة، بدأت تتسع بشدة فى الفترة الأخيرة.

أذكر جيداً العام الماضى عندما وجدت ورقة معلقة مفادها أن الإحتفال بعيد الأم حرام لأنه ليس من الأعياد الدينية، لا أستطيع حقاً أن أجد ما أقوله!! الأم التى تكرمها جميع الأديان، أصبح من الحرام أن نجعل لها يوماً نكرّمها فيه؟!!

لا أريد من أحد العباقرة أن يقول "لابد من تكريم الأم جميع أيام السنة" فهذا شىء بديهى، لكنى أرى بعين الخيال أحدهم وقد قاطع والدته بسبب بعض المشاكل التى حدثت بينهم، ثم يأتى هذا اليوم، لا أعتقد أنه يستطيع فعل أى شىء إلا أن يذهب إليها ويعتذر لها وتنصلح الأمور، إذن ما المشكلة؟؟ كلمة "عيد"؟؟ فلنغيّر إسمه إلى "يوم الأم" ما الفارق!!

منذ قديم الأزل وفى أى الموضوعات، يوجد هناك دائماً تياران متضادان تماماً، ولكن كان يوجد دائماً ذلك التيار الوسطى، ذلك التيار الذى -كما يقول د. أحمد خالد توفيق- يلعب دور قضبان الجرافيت فى المفاعل النووى، ولكن الآن تناقص ذلك التيار الوسطى بشكل ملحوظ حتى أوشك أن يختفى تماماً، وأتسعت الفجوة بشدة بين مجموعة تقوم ببعض الممارسات المستفزة تتسبب فى تشوية هذة المناسبة الجميلة، وبين مجموعة حتى حرّمت على نفسها يوم يحتفل فيه الناس بالحب، والطامة الكبرى أنك إذا ناقشت أحدهم، ستكتشف أن اعتراضه ليس نابعاً من رفضة لما يقوم به السفهاء من أخطاء -ففى هذه الحالة أنت مضطر إلى أن تحترم رأيه رغم اختلافك معه- ولكنك تفاجأ أنه مجرد جزء من قطيع كبير من الغنم، يحرّم فقط دون التفكير فى أى شىء، و دون أن يحاول إصلاح تفكير الآخرين، ولكنه سمع أحد زملائه يقول ذلك ويقوم بدورة فى نقله إلى آخرين وآخرين وآخرين، وأعتقد أنى سأكتب قريباً عن ميكانيزمات "اللعب فى دماغ الآخرين" لأنى قمت بدراسة هذا الموضوع عن قرب على مدى فترة ليست بقليلة.

هل تحاول إقناعهم؟ انا شخصياً يأست منذ فترة وتوقفت عن محاولة إقناع المتطرفين -من كلا الطرفين- فى أى موضوع بأى رأى، فأحدهم لابد أن يراك معقداً وتبالغ فى كل شىء، والآخر سيراك سفيهاً تحاول تدمير عقول الشباب.

ولكن كنوع من الدردشة مع نفسى...

هل ما يحدث من مهازل من مجموعة من الشباب يجعلنا نحرّم هذة المناسبة الجميلة؟؟ إذن فلنحرّم الأعياد الدينية لأنها تكثر بها التحرشات!

هل لأن أصل العيد كذا أو كذا يجعلنا نحرّمة؟؟ إذن فلنجلد من يخرج للإحتفال فى شم النسيم أيضاً، لا داعى أن تخرج مع زوجتك وأولادك وتقضوا وقتاً لطيفاً فى هذا اليوم، فأصل هذا العيد فرعونى وثنى لابد من القضاء علية!

ماذا ستخسر إذا أهديت زهرة لمن تحب؟ هل قمت بعمل فاضح؟؟ لا!

هل أغضبت الله فى شىء؟؟ الله يدعو الجميع إلى أن يحبوا بعضهم، طالما أنت لم تبالغ أو تفعل أى تصرّف خاطىء، وأى شخص لديه القليل من العقل يستطيع التمييز بين الخطأ والصواب، أنت لا تحتاج إلى أحد زملائك لكى يرشدك.

الوسطية كانت، وما تزال، وستظل إلى الأبد الأفضل فى كل شىء...

الإتساع المطرد لتلك الفجوة يؤدى حتماً إلى كوارث لا يعلم مداها إلا الله، أتمنى حقاً أن أموت قبل أن أرى مصر تقوم فيها مذابح بين بعض الشباب ذوى البناطيل الساقطة وبين بعض الحمقى من الغنم اللذين يعتقدون أنهم يقدمون خدمة جليلة لدينهم ووطنهم بقتل المجموعة الآخرى.