06 فبراير 2010

لماذا هاجر محمد 4 (النص الكامل)


فيما يلى نص رسالة كتبتها إلى أبى الروحى د. أحمد خالد توفيق، كنت قد أرسلتها رداً على سلسلة مقالات له بجريدة الدستور كانت بعنوان "لماذا هاجر محمد"، فقط لأفاجأ به يفرد مساحة مقاله بالكامل لنشر الرسالة فى عدد يوم 16-02-2010 تحت عنوان "لماذا هاجر محمد 4"، لكنه أضطر بالطبع إلى إختصارها قليلاً لكبر حجمها.


السطور التالية هى النص الأصلى للرسالة...

أستاذى فى الحياة د. أحمد
أعرف أن حجم الرسالة يبدو مرعباً، هذه الرساله عبارة عن عصارة خبرة فترة ليست بقصيرة وجزء كبير من طريق اخترته، وأتمنى أن أستمر به لأطول فترة ممكنة قبل أن أنهار، بخصوص الموضوع الخطير الذى قمت بمناقشته ببراعة فى مقالة "لماذا هاجر محمد ؟ «1»" وأعتقد أن بهذه الرسالة معلومات هامة قد تكون صادمة تخص الموضوع، ربما تساعدك قليلاً فى محاربة القرف الذى وصلنا إليه فى حال ما قررت أن تستمر فى الكتابة فى نفس الموضوع لأنك بدون مبالغة الوحيد الذى ناقشها بواقعية بعيداً عن فريق الطبطبة "كلنا أخوة" وفريق جبنا التايهة "يجب أن نعترف أن هناك مشكلة ويجب حلّها" !!
لا أعلم يا سيدى إن كنت تذكرنى أم لا، انا أندرو جورج، كنت أراسلك منذ أيام منتدى روايات وكنت حينها أعتبر طفلاً صغيراً مازال يتحسس عالمه، انا الآن طالب بالسنة النهائية بكلية الهندسة، وبالمناسبة لم أنقطع عن قراءة أعمالك لحظة واحده وأشعر كأنها تنمو فكرياً معى وبى، منذ أن كنت طفلاً ومراهقاً يقرأ ما وراء الطبيعة (ومازلت اقرأها بالطبع) حتى صرت شاباً يقرأ مقالاتك فى الدستور والروايات الفلسفية العميقة مثل يوتوبيا، ولكن كما تعلم مشاغل الدنيا هى التى منعتنى من مراسلتك طوال تلك الفتره، بالمناسبة انا أ.ج. بطل حادثة الترام، وأشكرك بشدة على إهتمامك ونشرك للموضوع، ويكفينى الإطاله إلى هنا، سأدخل فى الموضوع مباشرة.
ملحوظة: أعتذر لك بشدة على عدم ترتيب الأفكار لأنى بمجرد أن بدأت الكتابة تكالبت كل الأفكار على رأسى فجأة فأخذت أطرق لوحة المفاتيح كالمجانين دون أن أبالى بترتيب أفكارى وخرجت رسالتى بهذه العشوائية، فلجأت إلى إعادة ترتيب الفقرات و ترقيمها لتسهل قراءتها.
(1)
منذ طفولتى والجميع يعتبرنى مختلفاً ! ولا أريد أن يقفز إلى ذهنك صورة الـNerd  الذى يرتدى النظارات السميكة لقد كنت طفلاً عادياً جداً من هذه الناحية ولكنى أتحدث عن شىء آخر...
منذ أن كنت طالباً يدرس فى المدرسة وانا لدىّ الكثير من الأصدقاء المسلمين، بل كنت كثيراً ما أشعر بإرتياح لبعض منهم أكثر من المسيحيين زملائى فى الفصل، والسبب فى ذلك أننى كنت أتعامل مع الشخص كإهتمامات مشتركة وأخلاق فقط ولم أكن أنظر للأمر من زاوية أخرى نهائياً، بعكس معظم الأطفال المسيحيين، الذى يحثهم أهلهم بإستمرار على مصادقة الأطفال المسيحيين "الكويسين" وبالطبع أنت خير من يعلم كيف يتعامل العقل الباطن مع هذه الجملة البسيطة، فهو يحوّل كل من هو غير مسيحى إلى "مش كويس"، وهذه الرسائل لا تصل بشكل مباشر كتعليمات متطرفة، إطلاقاً، بل هى تتناقل لا شعورياً عبر أجيال أضناها الإضطهاد المستمر، فتجد تلك الأفكار تصل على هيئة رسائل غير مباشرة للطفل من أهله، قد تكون فى أغلب الأحيان على هيئة نظرة خوف ظهرت فى عين الأم للحظة عندما أخبرها ابنها "مينا" عن "محمود" صديقه الجديد فى الفصل.
بالطبع تتراكم تلك الرسائل فى اللاوعى لتنتج عنها كتلة من الأفكار الخاطئة تترسخ فى عقل الإنسان الباطن، ليجد نفسه بعد ذلك يتصرف طبقاً لها بدون تفكير. تكون نتيجة تلك الرسائل - التى يوصلها الآباء الذين يتصرفون بحسن نية مطلقة من منطلق خوفهم على أطفالهم - كتلة من الأفكار الملوثة تناقض أبسط تعاليم المسيحية التى تحث على محبة الآخر وقبوله إلى أقصى مدى، وأزعم أننى أستطيع تلخيص تلك الأفكار فى فكرة واحدة بشكل مباشر وهى "الآخر خائن بالفطرة ويمكنه أن يطعنك فى ظهرك فى أى لحظة دون أن يطرف له جفن".
وأرجوك يا سيدى ألا تعتبر هذا نوعاً من التطرف، لكن هذا ما هو إلا رد فعل لسنوات وأجيال من الإضطهاد والتضييق على المسيحيين فى مصر فكان من الطبيعى أن ينتج عن ذلك المزيد والمزيد من الخوف والتقوقع والإنغلاق وكأن كل مسيحى يحتمى بظهر أخيه المسيحى من الآخرين، وربما لو كان "أحدهم" تصرف بحزم عند بداية إنفجار الأحداث الطائفية "عينى عينك" فى مصر ولم يوجة لومه بمنتهى الحماقة إلى "غسيل فى بلكونة مواطن"، لما تطوّر الأمر ووصل إلى هذا الشكل البشع الذى نراه الآن. كذلك ربما كان الأمر ليكون أخف وطأة لو لم تهمل الحكومة الآن فى محاكمة شيوخ النفط ناشرى الفتنة، طالما أنهم يفتون أغنامهم بوجوب طاعة ولى الأمر. 
(2)
يخرج الشخص المسيحى للحياة وهو مقسوم إلى جزئين، جزء منه يتصرف بالفطرة الطبيعية ويحب الجميع، وجزء آخر منه يدعوه بإستمرار للخوف من الآخر، تجده يبتسم ويضحك ويمزح ويقدم المحبة قدر ما استطاع ولكنه بعد كل شىء يثق فى شخص مسيحى قد لا يعرفه جيداً عن شخص مسلم يعرفه أكثر، لا عن فكر كراهية متطرف مثلما يحدث من الجانب الآخر فى تلك الحالات، ولكنه خوف وتوتر وعدم ثقة فى الآخر ناتجين عن الأفكار والخبرات القديمة المتراكمة.
وصدقنى لا أعلم حقاً السبب فى كونى خرجت مختلفاً وأتعامل بدون خوف، لو كانت تلك الأشياء وراثية لقلت أننى ورثتها عن والدى –رحمة الله- الذى كان موجهاً بالتعليم الثانوى وكان دائماً ما يعامل الجميع بنفس الحب والحزم بدون إستثناءات حتى أن بعض المسيحيين من راغبى المصالح كانوا كثيراً ما يتضايقون منه لأنهم كانوا يظنون بإستمرار أنه قد يعاملهم معاملة مختلفة ولكنه لم يكن يفعل هذا نهائياً وكان يؤدى عمله بأمانة بدون النظر لأى إعتبارات أخرى.
أو ربما ورثتها عن والدتى المدرّسة بالتعليم الثانوى أيضاً التى تحب الجميع وتبتسم فى وجههم بإستمرار وتخدمهم قدر ما استطاعت، لدرجة أننا إلى الآن كلما عادت إحدى صديقاتها من الحج لابد أن تحضر لها ولى ولأختى الصغيرة الهدايا !
لكن والدى ووالدتى رغم حبهم للجميع وحب الجميع لهم بقى بداخلهم ذلك الخوف المبهم من الآخر نتيجة الأفكار المتوارثة، والتى يتم من خلالها فلترة كل الأحداث التى تواجههم فى حياتهم. بإختصار...إذا تسبب لك المسيحى فى كارثة فهذا لأنه "إنسان مش كويس" أما عندما يتسبب لك المسلم فى مشكلة بسيطة فهذا "لأنهم مش كويسين". وربما لم تكن تصلنى تلك الأفكار جيداً من والدىّ بسبب محاولتهم لتغليب عقلهم على مشاعرهم وموروثاتهم.

(3)
نشأت وانا مؤمن تماماً بالإنفتاح على الآخر من أوسع أبوابه والمشاركة فى كل شىء، آمنت تماماً أن هذا هو الحل الوحيد للقضاء على الطائفية لو كان الجميع يفعل مثلى، لهذا أعجبنى كثيراً وصف الكائنات الفضائية فى مقالك الأخير وهو أدق وصف يصف الحالة الآن، لأننا لو لم نكن كائنات فضائية وكنا نظهرللجميع بدون خوف وإنغلاق لما صدق أحداً كلام أحد الشيوخ إياهم بأننا نذبح الخنازير ونشرب دمها فى الكنيسة، أو أن الكنيسة يحدث فيها زنى جماعى كنوع من الطقوس، إلى آخر هذا الهراء، وكلامى هذا ليس به مبالغة، يمكنك أن تقوم بجولة بسيطة فى المواقع الإسلامية المتطرفة (التى لم يعد أحداً ينعتها بالمتطرفه كما كان يحدث قديماً نظراً لإختلال المعايير) لتسمع بنفسك كل ما قلته وأكثر على هيئة ملفات صوتية منقولة من شرائط كاسيت تباع على الرصيف يسمعها سائقى التاكسات والميكروباصات، صدقنى كل هذا يقال وأكثر، وصدقنى أيضاً يصدقه الكثيرون ولا أستطيع أن ألقى كامل اللوم عليهم وحدهم، لو قلت لك أن أهل إحدى القبائل فى أحراش أفريقيا يأكلون أطفالهم على العشاء كنوع من الطقوس هل ستكذّبنى؟؟ بالطبع لا فأنت لم ترى أى منهم من قبل، هؤلاء كائنات غريبة يمكنهم فعل أى شىء!! وهذا هو حالنا الآن، كائنات منغلقة على نفسها تحاول تجنب الإختلاط بالآخر كلما استطاعت، وتحاول أن توجد لنفسها كل شىء بداخل الكنيسة، حتى إعلانات بيع وشراء الشقق والسيارات، والرحلات الترفيهية، وطلبات العمل، إلخ...
هل تعلم يا سيدى أن بداخل معظم الكنائس الآن مكاتب توظيف؟؟ بل والأدهى، هل تعلم أن خلال فترة الهجرة العشوائية لأمريكا تقوم كل كنيسة تقريباً بتخصيص مكتب بداخلها لإستقبال طلبات الهجرة من الناس وإرسالها إلى موقع الإنترنت الخاص بذلك؟؟ رسالة أخرى غير مباشرة مفادها "اهربوا حال ما استطعتم فهذه لم تعد بلدنا" !!!!!


(4)
يمضى الزمن لأقابل فى حياتى العديد من المواقف الكافية لخلق الخوف والعداء حتى إن لم يكن موجوداً من الأصل. ها هو زميل كنت أتحدث معه لأكثر من نصف ساعه فى المدرج ولم نكن نعرف بعضنا. لم أكن أعلم أن من الممكن فسيولوجياً لعضلات الوجه أن تنقلب فى جزء من الثانية من ابتسامة عريضة لـ"تبويزة" كاملة، فهذا هو ما حدث لوجهه بمجرد أن عرف إسمى بعض نصف ساعة من المزاح والضحك المتواصل!!
كذلك بعضاً ممن كنت أعتبرهم أقرب أصدقائى لفترة تزيد عن 3 سنوات، واللذين قرروا فجأة أن تهنئتى بالعيد حرام، ولا يمكنك تخيل كمّ الألم النفسى الذى اعتصرنى وقتها وكدت أفقد إيمانى بكل ما كنت أحارب من أجله لولا أننى عدت لصوابى بمعجزة، وقتها شعرت بذلك الإحساس المقرف أننى كنت "أنفخ فى قربة مقطوعة"، وأن كل من تحديتهم أن الخير موجود فى الإنسان بغض النظر عن دينه كانوا على صواب، وأننى لم أكن سوى أحمقاً آخر ينطح فى الصخر.
وكلما حكيت هذا الموقف لأحد أقاربى كنوع من الفضفضة -لأنى وقتها أوشكت على الإنفجار- قام بفتح خزانة ذكرياته وإخراج كل ما فيها من تجارب مع الطائفية، فها هى عمتى تحكى لى عن ناظرة المدرسة المتطرفة التى كانت تضطهدها بإستمرار وتتسبب لها فى كل ألوان المشاكل إلى أن طلبت عمتى النقل من المدرسة بأكملها لتتخلص من إضطهادها...وعمى الذى حكى لى عن جارتهم الأرملة متوسطة الحال التى أعتاد أن يزورها هو وزوجته كل عيد فطر وأضحى ويحضروا لها ولبناتها الثلاثة الملابس والهدايا ويتناولون معهم قليلاً من الطعام، والتى قامت بمقاطعتهم تماماً بعد أن أفتاها أحدهم أنها ستدخل النار حدف لأنها تُدخل هؤلاء الكفرة إلى بيتها...وها هى والدتى تحكى لى عن زميلتها المنقبة بالعمل التى تدخل كل يوم وتسلم على كل من بالغرفة ماعدا هى. الكثير والكثير من القصص والتى كانت تحوى رسالة واحدة لى وهى "انت اللى غلطان أصلاً، هما كلهم كده واللى مش كده يبقى مش بيقرأ ومسيره فى يوم هيقرأ ويعرف ويبقى كده "، هل يكون كل هؤلاء على خطأ وانا الذى على صواب؟؟ ثم بصراحة شديدة ما الذى تتوقعه منى عندما أقرأ على شبكة الانترنت أن هناك من الأحاديث الصحيحة ما ينهى حتى عن إلقاء السلام علىَ؟؟ هنا أكتشف أن لا أحداً من المتطرفين يتحدث بدون دليل، وحتى من يقتلون الأقباط لديهم بدل الدليل ألف دليل.
ولماذا قررت إحدى زميلاتى الإتشاح بالسواد والتوقف عن التعامل مع الشباب جميعاً فجأة؟؟ ولماذا قررت واحدة أخرى أن تتوقف عن سماع الموسيقى لأنها حرام؟؟ ولماذا عندما إتصلت بإحداهن لتعزيتها فى وفاة أحد أقاربها وقلت لها "البقية فى حياتك" أجابتنى فى منتهى السماجة "إسمها البقاء لله مش البقية فى حياتك"؟؟ ثم لماذا يخشى المعتدلون المتطرفين دائماً كأنهم يمسكون لهم ذلة؟؟ لماذا لم يردّ أحدهم بعنف على ذلك الملتحى الذى أخذ فى الصراخ فى الجميع عندما قام السائق بتشغيل بعض الأغانى فى الأتوبيس بينما كنا فى طريقنا فى زيارة مع الكلية لأحد المصانع، بل قاموا جميعاً بالطبطبة عليه وإرضاؤه وإيقاف الأغانى؟؟ لماذا لم يعد أحداً يصف المتطرفين بالمتطرفين كما كان الحال قديماً، بل أصبح المتطرف الآن فى ذهن الجميع – حتى المعتدل منهم – شخصاً "شديد الإلتزام وربنا يعينه ويبارك له"؟؟ لماذا اختلطت الأوراق بهذا الشكل وأصبح المتطرف ملتزماً وأصبحت المنقبة هى البطلة الفاضلة المناضلة التى ياليتنا كنا نستطيع جميعاً أن نكون مثلها ؟؟
قديماً كان الشخص المحتمل فيه التطرف يسهل التعرف عليه (ذقن تصل إلى بطنه، جلباب أبيض لا يصل للأرض، نظرات شرسة مليئة بالكراهية، إلخ...) أما الآن وبفضل الفضائيات التى تبث تلك السموم على مدار الساعة أصبح كل شخص حولك متطرف محتمل، وبالمناسبة انا لا اتحدث عن تلك القنوات جزافاً من خلال قراءات أو أفكار مسبقة عنهم، لكنى تابعت تلك الفضائيات بنفسى لفترة طويلة جداً وأشاهد بإستمرار الكثير والكثير من تسجيلاتهم على موقع اليوتيوب. والدليل على كلامى، منذ متى كان المدنيون أمثال حمام وقرشى وهنداوى يرتكبون الجرائم الطائفية؟؟؟
لقد أصبت تماماً فى مقالك عندما قلت عنا  "أنهم يعرفون ما يُقال عنهم جيدًا". بالمناسبة هل جربت من قبل أن تكون جالساً فى منزلك آمنا تذاكر يوم عطلتك، فقط لتسمع سبابك والدعاء عليك بأذنك  يتردد فى كل مكان عبر مكبرات الصوت؟؟ إبتسم فهذه صلاة الجمعة فى المسجد المواجة لبيتى!! هل جربت أن تكون خارجاً من دار عبادتك المواجهه لشريط الترام بعد آداء صلاتك، لتجد أطفالاً - لم يتخطى أكبرهم الصف الثالث الابتدائى بأى حال- يسبّون دينك عبر نافذة الترام المتحركة مع الكثير من الضحك والقهقهة؟؟ لا أعتقد ذلك ولا أرجو أن يحدث لك ذلك رغم أنه لن يحدث لك أبداً فهذه الأشياء تحدث لنا فقط. كم ترعبنى الصورة عندما أتخيل هؤلاء الأطفال حينما يكبرون !


(5)
بداخل كل كلية أو جامعة تجد هناك مكاناً خاصاً جرى العرف أنه يخص تجمع شباب الأقباط، فعندما كنت طالباً فى جامعة المنصورة كانت هناك "الشجرة" حيث كان الجميع يقول "قابلنى عند الشجرة" و "انا واقف عن الشجرة دلوقتى".
جئت إلى هندسة الإسكندرية لأجد "الرصيف"، "قابلنى عند الرصيف" و "انا عند الرصيف" ومن الطريف أيضاً أن هذا الرصيف يعرفه مسلمى الكلية بإسم "شارع كهربا" حيث يوجد به مبنى الهندسة الكهربائية، فكنت عندما أريد أن أصف مكانى لشخص مسيحى أقول له "انا عند الرصيف" وللمسلم أقول "انا فى شارع كهربا" !!!!
وها هى أختى الصغيرة تعود من أول يوم لها فى الكلية لتحكى لى عن "شارع القبط" المواجة لمبنى الحقوق فى مجمع الكليات النظرية. هذه ليست ظاهرة وليدة بل هى قديمة جداً ولكنها وصلت إلى مستويات مرعبة من التقوقع هذه الأيام.
أما عنى انا، فيجب دائماً أن أقسم وقت فراغى فى الكلية لأقضى بعضاً منه مع الأقباط والبعض الآخر مع إخوتى من المسلمين نظراً لأنهم لا يجتمعون إلا فيما ندر، وبالطبع يكون هناك الكثير من الأسئلة من إخوتى المسلمين من نوع "إنت كل شوية تختفى ليه" وبعضاً من التعليقات من إخوتى المسيحيين من نوع "ما تروح تكمل وقفة معاهم"، وكنت دائماً كلما انتقدونى لقضائى الكثير من الوقت مع إخوتى المسلمين أرد عليهم بالآيات التالية من إنجيل متى الإصحاح الخامس
 "14 أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل. 15 ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. 16 فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات".


(6)
كل عام يتعجب جميع أصدقائى المسيحيين من رفضى لتقديم طلب للهجرة العشوائية ويستنكرون ذلك بشدة، أذكر صراخ أحدهم فىّ ذات مرة "انت أهبل يابنى؟؟! إذا كنت لسه على الأقل عارف تعيش فيها دلوقتى، كمان 10 سنين لما يمشوا يقتلونا فى الشوارع هتضرب نفسك مليون جزمة".
صدقنى يا سيدى انا من أشد أعداء تطرف بعض أقباط المهجر الذى ذكرت سيادتك لهم مثالاً لهم فى الحلقة الثانية من المقال، ولك أن تتخيل مدى تقززى من فكرة أن أحدهم يطلب من شخص غريب أن يتسلط علينا ويتحكم فى شئوننا الداخلية بحجة حمايتنا، ولكن رغم رسوخ معتقداتى تلك لدى خوف رهيب أن أتحول لواحد من مشجعى هؤلاء، بل ربما واحداً منهم فى يوم من الأيام، ولا أريد أن يلومنى أحداً حينها فالضغط النفسى الذى أتعرض له فى بلدى ليس بقليل، لا يلومنى أحد حينها عندما أفقد منطقى بالكامل ويتحول إلى "انا والغريب على أخويا وابن عمى"، لا يلومنى أحد فأنا أسمع الجميع يقولون أن الهندى المسلم أقرب لهم من المسيحى المصرى وحينما أفقد منطقى وإيمانى بهذا البلد فحينها ستكون المعاملة بالمثل، وحينها أيضاً قد لا تكون فكرة الإستعانة بشخص غريب لينقذنا مقززة لى كما هى الآن. لا يلومنى أحد فانا شخصياً بدأت أشعر أننى غريب عن هذا البلد.
هل كان أقباط المهجر يحاربون تلك الظواهر مثلى فى يوم من الأيام وطفح بهم الكيل فقرروا أن يكونوا هكذا؟؟ لا أعتقد أنهم ولدوا من بطون أمهاتهم شياطين وخونة كما يتهمهم الجميع فى كل مكان.
على كل حال أتمنى حقاً أن أموت قبل أن أرى نفسى أتحول لواحداً منهم...
أشكرك بشدة على سعة صدرك. إبنك أندرو 


أرسلت فى 06-02-2010