15 مارس 2013

داخل رؤوسهم (1) : يوسف المنسى درويش



"مشكلتك إنت وأمثالك من الهاموش والهلافيت، إن بتيجى عليهم لحظات بيتصوّروا إنهم حاجة. الحقد والغلّ اللى جواكم هو اللى بينفخكم ضد أسيادكم. لكن لأنكم جهلة، مغرورين، مش قادرين تفهموا إن طبيعة الكون نفسه لا يمكن تديكم الفرصة أبداً إنكم تفسدوا علينا حياتنا. جرابيع! الحقد اللى جواكم لا يمكن يغيّر نظام الكون..."

نظام الكون؟ عن أى نظام كون تتحدث؟ هل تعتقد أيها الغبى أننى جئت إليك فى فيلتك الخاصة طامعاً فى أموالك بعد كل ما حدث لى؟ قد تكون أصبت فى نقطة الغلّ، فكم أحمل منه الآن تجاه أمثالكم الذين يظنون أنفسهم ملكوا الأرض ومن عليها، لكن لا الأرض، ولا هى ملكاً لكم، لذا لن أتركها لك أيها الرخيص ذو البذلة الأنيقة!

نعم، هى، لسبب ما تحوّلت تلك المرأة إلى رمز لكل شىء تبقى لى وتحاولون بإستمرار أن تسلبونى إياه، حياتى التى لم أفهم هدفاً لها، ما تبقى من كرامتى، أحلامى التى لا أحتكم على أى شىء سواها، لن تقوموا بأخذهم منى يا أوغاد، سأحيل حياتكم جحيماً قبل أن تتمكنوا منى، نعم منى انا وليس منها، لقد أصبحت هى وأنا شىء واحداً لن أسمح لكم أن تنالوه.

"انا فاتنى قطارات الدنيا كلها، عارفة حضرتك وانا صغيّر، فاتنى قطر اللعب مع العيال الصغيّرين، ولما كبرت شوية ورحت المدرسة، يادوب إتشعبطت فى السبنسة بتاعة التعليم، عارفة شقاوة الشبان؟ القطر بتاعها عدى علىّ من غير ما يهدّى، وآدينى دلوقتى بشتغل فى السكة الحديد، قطارات كتير تعدى علىّ، ولا يعبرونى..."

انا لا أخلط الأمور ولا أقوم بربط أشياء لا يُعقل أن ترتبط معاً، فقط أنتم لستم انا، ولذا لن تفهمونى أبداً. لأسباب لا يفهمها أحد -وقد لا تفهمها أنت نفسك- قد يتحوّل أى شىء فى حياتك إلى رمز لأشياء أخرى تجد نفسك تتشبث بها حتى الموت، قد تحزن شهوراً إذا ضاعت منك تلك الميدالية التى أعطاها لك والدك قبل وفاته، هى لم تعد مجرد قطعة رخيصة من المعدن بل صارت رمزاً للحب والرعاية وكل شىء، عندما تفقدها فأنت تفقد كل تلك الأشياء بلا شك، وأنت أصلاً قد لا تمتلك غيرها، لذا تتعلق بها كمن يتعلق بقطعة خشبية فى عرض المحيط، لكن الآخرين سينظرون لك فى إستخفاف ولن يفهموك، لن يفهموك أبداً.

سيتهمونى بالجنون أننى جئت فى مواجهتهم وحدى وأنا لا أمتلك شيئاً سوى الغلّ الذى ذكره هذا المغرور. فى الحقيقة لن أهتم كثيراً لو كنت تمتلك سلاحاً آلياً بينما أواجهك انا حتى ولو بسكين مطبخ! صدقنى لن أهتم كثيراً، حتى وإن تسنت لك الفرصة أن تطلق علّى رصاصاتك القاتلة تأكد أننى سأكون راضياً سعيداً عندما أموت وانا أشق بطنك أو أقتلع عينك فى لحظاتى الأخيرة، سأموت انا، وسيظن الجميع أننى أحمق خاسر لأننى لم أحسب فرق القوى جيداً، لكن الحقيقة أننى مت، بينما أنت ستعيش أسوأ أيام حياتك إما ترى الحياة بنصف عين أو ممضياً أوقاتاً لطيفة فى المشفى مع الأطباء بينما يحاولون إعادة طُحالك إلى مكانه الصحيح، وحتى لو فشلت فى ذلك، من يهتم على أى حال؟ على الأقل لن أعيش باقى حياتى مطأطى الرأس متذكراً هزيمتى، بل سأموت، سأختفى، سأتلاشى، وانا راضياً شاعراً أننى فعلت ما كان يجب فعله. أرجوكم، لا تسمعونى مواعظكم الفارغة عن التعقّل والتروّى فى التفكير، أكررها: أنتم لستم أنا، بالتحديد لستم أنا فى هذا الموقف.

لكن...تلك أشياء لن يفهمها غيرى بالطبع.

"يا أخينا!"

الفرار...الفرار...سأضعها على متن ذلك القطار وليكن ما يكون بعدها، انا لست بطلاً وسيماً لتلك الأفلام الأجنبية التى كنت أشاهدها فى السينما، ولا انا من الشهامة والمروءة التى تجعلنى "أضحى بحياتى فى سبيل سيدة لا أعرفها" كما تصفون الموقف بنظرتكم السطحية، كل ما فى الأمر أننى لست أنقذها هى، بل أنقذ نفسى، عندما ترحل وتصبح فى أمان سأكون حققت ما أريده، سيكون كل ما تبقى لى فى العالم بعيداً، فى أمان، بعدها فليحترق باقى العالم.

فقط...إرحلى!

"هما طلعولك؟ طلعولك ها؟؟ رد علىّ يا منسى!"

أندرو جورج
15-03-2013