29 يوليو 2014

كُن وحدك!



(۱)
إنتشى فى سعادة وحدك...جُب العالم واستمتع بكل لذّاته وحدك...توحّد مع الكون فقط...لا تعتمد على شخص آخر لتكن سعيداً...استمتع وحدك...كُن وحدك...كُن وحدك...أنت محور الكون وجميعهم #مايستهلوشي !


(۲)
- التيار العام بقى غريب، فيه قوة مش فاهمها بتضغط جامد فى إتجاة إن كل واحد يبقى عايش مع حاله كده وخلاص.
- إشمعنى؟
- مش عارف...فاكر الصور المشهورة بتاعة الإتنين اللى بيجروا مع بضع فى المطرة ومبسوطين؟
- آه...
- الصور دى دلوقتى بتختفى بالتدريج، وبيحلّ محلها صور لواحد بيجرى لوحده فى المطرة وهو لابس بدلة وبيرقص فى سعادة، أو واحدة بتجرى لوحدها فى المطرة وهى لابسة فستان وبترقص فى نشوة كده.
- إحم...
(محادثة قديمة)


(۳) عن ميكانيزمات وأنواع حياة التوحّد
يحلل أطباء علم نفس الأطفال حب الأطفال للجلوس تحت المائدة بأن ذلك يشعرهم بالأمان، لأن العالم حينها يكون محدوداً (له سقف منخفض) وآمن، ويختفى منه الخوف البشرى من الكون الواسع الغامض (من وجهة نظر الطفل)، تماماً مثلما كان الإنسان القديم يختبىء داخل الكهف ليقضى ليلته آمناً من الكائنات الليلية الشيطانية التى يصورها له عقله. ولكن الطفل/الإنسان القديم رغم ذلك كان دائماً ما يمتلك كذلك الرغبة الدفينة فى الإستكشاف، والتى كانت فى صراع دائم مع رغبته الأولى فى الإختباء والشعور بالأمان، لذلك فقد كان دائماً يخرج من مخبأه من حين لآخر متسللاً، ليلقى نظره إلى العالم الخارجى ويكتشفه.

والآن أى رغبة فيهما هى الأقوى عندك؟ إذا كنت ترغب أكثر فى الإختباء، فسنصل إليك ونُذكى النزعة الفردية عندك أثناء إختبائك. أما إذا كنت ترغب أكثر فى الخروج وإكتشاف العالم، أيضاً سنصل إليك ونُذكى النزعة الفردية عندك أثناء إكتشافك للعالم...فلدينا من النزعة الفردية ما يناسب جميع الأذواق!

فلنبدأ...

(۳ - أ) النوع الأول: إختبىء وشاهد العالم من خلف شاشتك...وحيداً.
 بشكل ما يتم العمل بإنتظام على تحويل كل فرد إلى جزيرة منعزلة عقلياً تماماً، لا أعلم إن كان هذا عمداً أم بمحض المصادفة، وذلك بأدوات يدّعون أنها صُممت للغرض المعاكس مثل شبكات "التواصل الإجتماعى"، الهواتف المحمولة، إلخ...، فكل ما ساهمت فيه هذه الأدوات هو أنها جعلتك تصمم عالماً يحيط بك يتوافق مع ما تريده فقط تحت مسمى الـPersonalization، لن ترى سوى الأشياء التى تحب أن تراها، لن تسمع أو تقرأ سوى الآراء التى تحب أن تسمعها وتقرأها، لن تشاهد سوى الإعلانات التى تهتم بها، إلخ...حتى أنك لن تصل سوى إلى الشخص الذى تريد الوصول إليه لقضاء غرض ما سريعاً. لا أذكر آخر مرة قمت فيها بالسؤال عن صحة والد أو والدة أحد أصدقائى لأنهم من قاموا بالرد علىّ فى الهاتف بالصدفة، فلقد توقفت عن إستخدام الهاتف الأرضى منذ فترة طويلة.

 ألم نكد نجنّ من تصريحات بعض التيارات خلال السنوات الماضية التى كانت تبدو لنا كأنها صادرة من أناس لا يعيشون فى عالمنا؟ هم بالفعل لم يكونوا يعيشون فى عالمنا، ولا نحن كنا فى عالمهم، فكل منا خلق عالم خاص به وإنعزل بداخله تماماً ولا يدرك سوى مفرداته وأحداثه، ولا يعلم أى شىء عن ما هو خارج هذا العالم الذى يعيش به. هذا هو حالنا جميعاً فى تلك الأيام.

هناك كذلك من تطرّف أكثر وأكثر، فظهرت ألعاب مثل Second Life حيث تقوم بخلق الشخصية التى تريدها والتحرك بها فى عالم ثلاثى الأبعاد تقوم فيه بممارسة كل ما يمكن/لا يمكن لك أن تمارسه فى أرض الواقع. ولكن على أى حال هذا مثال متطرّف لا داعى للإسهاب فى الكلام عنه. يكفينا ما نعيشه من واقع مشوّه منعزل.

إن الأفلام من نوعية The Matrix لم تعد بعيده كثيراً عن ما نعيشه بالفعل ولو بشكل مجازى.


(۳ - ب) النوع الثانى: أخرج وأستمتع بالعالم بنفسك...وحيداً.
 وهذا النوع قد يبدو فى ظاهره عكس النوع السابق، ولكنه فى نهاية الأمر يدعو لنفس الفكر الإنعزالى. هو مجرد نكهة أخرى لنفس الوجبة المسمومة، فقط وُضِعت عليها الكثير من البهارات من نوع "ضرورة الخروج والبحث عن الذات" و "مُتع الحياة التى يجب أن تجوب العالم وتحصل عليها". دعنى أوضّح...

بدأ إتجاه إذكاء النزعة الفردية من النوع الثانى يظهر بقوة فى ألوان الأدب الناجح فى تلك الأيام التى نعيشها، فلو فتّشنا عن الـBest Sellers التى تظهر فى أيامنا هذه سنجد أنها جميعاً من عيّنة "الروايات التنويرية" إن جاز لنا أن نسميها بهذا الإسم. فها هى كتابات باولو كويلو تحتل الأسواق وتقوم بتوصيل فكر الفردية والتوحّد بشكل مكثف غير مسبوق. لا أدعى أننى قرأت جميع رواياته ولكن الخط العام ظهر أمامى وهو فكرة "البحث عن الذات" التى تحدثنا عنها فى بداية الفقرة. عن ثم يظهر لنا مثال آخر وهو رواية مثل قواعد العشق الأربعون للكاتبة التركية إليف شافاق عن الرحالة الصوفى ورحلاته لإكتشاف العالم والله، وعن ربة البيت الأمريكية التى تقرر ترك بيتها وزوجها وأولادها لأنها أكتشفت فجأة أنها ربما لم تكن سعيدة حقاً خلال حياتها مع زوجها وأولادها(!). قس على هذا الكثير والكثير من الروايات التى تدفع بأسلوب غامض فى هذا الإتجاة المريب: "أنت والكون فقط"، مع تفنن الأدباء بشتى الطرق فى الدفع فى هذا الطريق وتبرير كافة مواقف أبطالهم شديدة الأنانية بفكرة الصوفية و"إكتشاف الذات".

لقد كبرنا ونضجنا بما يكفى لكى نعلم أن المشاعر جميعها تتغير ولا تبقى على حالها أبداً إلا فيم ندر، ولكن كل ما هناك هو أن الناس قديماً كانوا لديهم من الإلتزام والوفاء ما يكفى أن يبقوا مع شركاء حياتهم وأولادهم رغم كل الصعاب، ورغم الشعور بالرغبة الأنانية فى الجنوح والتحليق بعيداً. انا شخصياً لا أريد عند الوصول إلى عامى الأربعين أن أترك زوجتى وأولادى وعملى بحجة أننى ذاهب لـ"البحث عن ذاتى" فى مكان ما، فهذا بالنسبة لى –بشخصى الحالى- لا يعدّ سوى أعتى دروب الخسّة والأنانية، لكن الخط العام فى أدب تلك الأيام يدفع دفعاً فى إتجاه مفاده هو "وفيها ايه؟ المهم انت تكون مبسوط"!

لاحظ كذلك أن هناك جانب روحانى خطير لفكر التوحّد من النوع الثانى هذا، فقد لقى هذا اللون من الكتابة رواجا بين شعوب العالم فى تلك الأيام لأنه جمع بين ميزتين؛ ميزة الإيمان البسيط اللطيف بوجود كيان إلهى أو upper being كما يقولون يعتنى بك أثناء رحلتك "المجردة" للبحث عن الحقيقية إلخ...، وفى نفس الوقت ميزة عدم إضطرارك إلى الدخول فى قيود أحد الأديان التى تطالبك بإستمرار بأصوام وعبادات وإلتزامات محددة، صار كل ما عليك بإختصار أن تسير فى الأرض تدعو إلى الفرح والسلام الداخلى والثقة بالـ"كيان الأعظم" دون أى إرتباطات أو أشياء منتظره منك. وانا هنا لست ضد هذا اللون المجرد البسيط من الإيمان، بل بالعكس أحيانا يخيل لى أنه قد يكون أصدقهم، ولكن هذا فقط عندما يكون حقيقيا، لا عندما يكون آداة مريبة تًستخدم لخدمة غرض آخر.

بالمناسبة تذكرت فجأة الفيلم الكوميدى Holy Man (من بطولة إيدى ميرفى) وتسائلت كيف سيكون شكل العالم لو تحولنا أهل الأرض جميعا إلى مجموعة من الـHoly Men نفيض بالروحانيات المزعومة ونرتدى الجلابيب البيضاء الفضفاضة ونتبختر فى الأرض فرحين راسمين على وجوهنا الإبتسامات الهادئة البلهاء؟! يالها من صورة عجيبة للعالم!


(٤) أكسسوارات التوحّد
ويبدو أن هناك إرتباطاً ما بين حياة التوحّد والإرتداد إلى الماضى لكنى لم أتمكن من فهمه بشكل كامل. فكما أن هناك إرتباط بين النوع الثانى من التوحّد وبين الفكر الصوفى القديم، كان لابد كذلك أن تظهر الأفكار القديمة المصاحبة لذلك بشكل موازى. فجأة أصبح الجميع يبحثون عن السلام الداخلى فى ممارسة اليوجا، عن الطاقة فى الفنج-شوى، عن علاج الأمراض فى الكيروثيرابى والإبر الصينية، وعن المتعة الجنسية فى الكاما سوترا!

على مستوى العالم وعلى مدار العام الآن تُصرف ملايين الدولارات على صناعة الـ"نيو آيدچ" هذه بعد أن توقف عقلنا عن تخيّل أنه سيكون هناك ما هو جديد، فبدأنا ننبش فى قبور الماضى بحثاً عن "المعارف والأسرار القديمة التى خفيت عنا طوال تلك السنين".

إذن الارتداد كإتجاة عالمى حادث إلى الداخل، وإلى الخلف.


(٥)
تخيلت نفسى أحد المؤمنين بمؤامرات الماسونية للحظة وحاولت تحليل أسباب ونتائج ملاحظاتى تلك من داخل رأس أحدهم:
"أممم، حسناً، فلنقل أن هناك كائنات فضائية تقوم ببث فكرة التوحّد هذه عن بُعد، وذلك للقضاء على الجنس البشرى بشكل ناعم خلال بضعة مئات من الأعوام، حتى عندما يصلوا إلى كوكبنا بالسلامة يكون الكوكب جاهزاً لإستقبالهم".
بدت لى الفكرة مجنونة تماماً حتى بالنسبة لأفلام الخيال العلمى الخاصة بنظرية المؤامرة، وقررت ألا أطلق لخيالى العنان مرة أخرى.


(٦)
أذا كان لك أقارب تحت سن العشر سنوات، قم برصد تصرفاتهم وطريقة تفاعلهم مع العالم المحيط بهم خلال الفترة القادمة. لن أتحدث كثيراً فى هذه النقطة وسأترك الأمر لملاحظتك.


(1 تانى)
إنتشى فى سعادة وحدك...جُب العالم واستمتع بكل لذّاته وحدك...توحّد مع الكون فقط...لا تعتمد على شخص آخر لتكن سعيداً...استمتع وحدك...كُن وحدك...كُن وحدك...أنت محور الكون وجميعهم #مايستهلوشي !

اندرو چورچ
29/07/2014