10 أبريل 2016

تجربة وإعتراف وخواطر ملخبطة

من كام يوم كده لقيت نفسى حد دخلنى على كونفرسيشن غريبة على فيسبوك فيها ناس معرفهاش، ومكنتش فاهم منها حاجة، بس فيها ناس كانت بتتفق على معاد ايفينت ما وفيه كلام عن تصوير. فضلت أقلب لغاية ما عرفت مين اللى دخلنى فيها، وأتصلت بصديقى اللى دخلنى بقول له ايه ده انا مش فاهم حاجة؟ قال لى إن ده جروب مصورين بس charity وفيه حفلة أطفال يوم الجمعة هيروحوا يشاركوا فيها بالتصوير، فهو قال لى على أساس إنى لسه بتعلم تصوير وكده بحيث لو حبيت أنزل أشترك معاهم وبالمرة أكتسب خبرة يعنى. دخلت على الكونفرسيشن لقيت معظم الناس بتعتذر لأن عندها مواعيد تانية اليوم ده لأنهم اتبلغوا متأخر، وانا تحمست قوى للنزول، وقلت دى حاجة خيرية كمان مينفعش اتأخر مادام انا فاضى فى الوقت ده. رحت داخل قايل لهم انا معاكم أكيد.

وقبل الحفلة بيوم لقيت حد من المنظمين حط لينك للإيفينت نفسه، فتحته بالصدفة، واتفاجئت إنها حفلة تابعة ليوم اليتيم!!!! اللى انا بكره حتى أسمع إسمه لأسباب أعتقد إنى اتكلمت فيها كتير قوى قبل كده.

طب أهبب ايه انا دلوقتى؟؟ كلمت صاحبى طبعأً بقول له على الورطة دى اللى ورطنى بحسن نية فيها، قال لى لو عايز تعتذر إعتذر، قلت له بس انا ارتبطت مع الناس خلاص والوقت اتأخر على الإعتذار وهتبقى قلة ذوق ووطيان منى إنى أقول لهم مش جاى على آخر وقت، خصوصاً إن العدد مش مستحمل يقل أكتر لأن فيه ناس بالهبل معتذرة أصلاً. طب أعمل ايه انا يعنى؟!

فى الآخر قررت أنزل وأتصرف على حسب اللى هشوفه أياً كان اللى هيحصل، وقلت هسأل الأول على الأقل ايه اللى هيحصل بالظبط. الصبح أول ما وصلت إكتشفت إن حد من اللى منظمين الموضوع صديق أعرفه كويس، أخدناه على جنب وقلت له انتوا هتعملوا ايه بالصور دى؟ قال لى إحنا بنصور كل طفل صورة بورترية لوحده، وبنطبعهم قبل إنتهاء اليوم، ونديها لكل طفل فى ايده كهدية له وبيفرحوا بيها قوى. بس كده؟ آه بس كده. يعنى الصور دى مش هلاقيها مرمية على فيسبوك فى ألبوم على أى بيدج ولا ألاقيها طالعه sponsored فى أى حملة دعائية حتى لو لنشاط خيرى؟ العيال دى صورها مش هتتنشر public بأى شكل؟ أكّد لى إنها مش هتتنشر وإنها مجرد هدية بسيطة للعيال نفرحهم بيها.

اتطمنت على الأقل إنى مش هشارك فى جريمة من اللى بشوفهم أونلاين طول الوقت من تدمير لخصوصية الأطفال دول، وده لأن الشخص اللى أكد لى الكلام هو مصدر ثقة بالنسبة لى، وكمان الشباب اللى نازلين يصوروا فى منتهى الإحترام، رغم إنى مازلت معترض تماماً على الفكرة المقرفة بتاعة يوم اليتيم، وفكرة اليوم اللى إحنا رايحين نشارك فيه (أطفال عدة دور رعايا هتتجمع فى جنينة مدرسة كبيرة ناحية المندرة، يلعبوا ويتصوروا وياخدوا هدايا ويروحوا). فقررت بما إنى على الأقل مش هعمل جريمة شنيعة (من وجهة نظرى) إنى أكمل اليوم بسبب إرتباطى مع الناس، وربنا يستر ومكونش سبب أذى لأى حد.

جت عربية أخدتنا على المكان ونزلنا وأستعدينا، مدرسة لغات كبيرة أرضها مليانة عدد ضخم من الأطفال الأيتام ولاد وبنات + مشرفاتهم، والتاسك هو إننا هنقسم دور الرعاية علينا، وكل دار رعاية هتوقف الأطفال بالدور يتصوروا طفل طفل، وفيه حد من التيم هيجمع الصور يظبطها ويطبعها ويرجعهالهم انى مطبوعة قبل آخر اليوم يوزعوها على الأطفال كل طفل ياخد صورته.

بدأنا وأول دار اتقسمت بينى انا وصديقى اللى دخلنى فى الكونفرسيشن عشان عددهم كبير(ولأنى لسه جديد برضه)، طابور وقف جنب كل واحد والمشرفة بتجيب الطفل توقفه قدامنا نصوره وبعدين تجيب اللى بعده وهكذا.

دى كانت أول مرة فى حياتى أحتك بالأطفال الأيتام أصلاً، فإنطباعى الجاى ده أكيد هيبان إنه بتاع واحد وسطحى بيكتشف حاجة غريبة عليه: انا كل اللى شفته أطفال قمر وشيك وزى العسل وفى منتهى الأدب، وتحس إنك عايز تسيب اللى فى ايدك وتروح تلعب معاهم على المراجيح ولا حاجة، آخرهم يعنى فى الشقاوة إن الكبار بتوعهم (10 سنين مثلاً) ممكن يتلامضوا شوية أو يغلسوا على بعض بهزار وهما بيتصوروا. والمشرفات دايماً مش بيستخدموا غير لفظ "أخوك" و "أختك" لما بيكلموا حد فيهم على حد تانى من زمايله، مفيش زمايل فيه "أخوك" و "أختك" فقط.

انا كنت قاعد بتفرج على العالم ده كله من خلال العدسة، كل ولد أو بنوتة ييجى يقف قدام الكاميرا كأنه نجم سينمائى وياخد الـpose ويضحك وبتاع، فيه منهم عيال تحسهم فاشون موديلز بالفطرة أصلاً لدرجة إنى مكنتش مصدق اللى انا شايفه بصراحة. ولما لقيتهم فرحانين قوى كده بالتصوير وعلى طبيعتهم ومفيش أى تنشنة أو زعل من ناحيتهم حسيت الضغط النفسى اللى كنت فيه بسبب الورطة دى خف جامد، لغاية ما طبعاً رحت واخد بالقلم على وشى فى ساعتها عشان أفوق من العالم السعيد اللى انا قعدت فيه الدقايق البسيطة دى.

...كعادتى يعنى، ايه الجديد فى كده؟؟

كانوا بنتين أكبر من اللى فاتوا كلهم، عندهم حوالى 12-14 سنة، الأولانية جت وقفت وهى مكشرة ومش طايقة نفسها وعمالة تتنطط زى ما تكون مش عايزه تقف، بهزر معاها بقول لها ايه فين الضحكة؟ مفيش ومش عايزه تبص لى حتى. يا بنتى إضحكى. مفيش. رحت مصورها وخلاص ووقلت لها تمام. جريت من قدامى زى ما تكون كانت بتتعاقب. جت صاحبتها عماله تقدم رجل وتأخر رجل، مش عايزه تقف ومتضايقة ومتضررة قوى، فقلت لأ بقى هو فيه ايه!! نزلت الكاميرا ورحت لها بقول لها مالك زعلانة ليه؟ قالت لى مش عايزه أتصوّر. قلت لها طيب براحتك خالص طبعاً هو بالعافية؟ إحنا مجرد بنصورك ونجيب لك الصورة هدية تحتفظى بيها بس، لو مش عايزه زى ما تحبى دى حريتك يعنى، قالت آه مش عايزه وراحت ماشية، ووقفت على جنب سندت على السور ووشها عليه حزن الدنيا كله. حزن مش كسوف، وده اللى وجعنى.

صاحبى أخد باله هو وبنت تانية من الـVolunteers اللى كانوا موجودين فراحوا هزروا معاها وبتاع، ووافقت تتصور على مضض، وانا كنت خلال الوقت اللى بيقنعوها فيه ده بكمل تصوير باقى العيال وانا مش شايفهم تقريباً من كتر مانا متضايق، وباصص على البنت بجنب عينى وفى دماغى كل الأفكار اللى كنت بحاول أبعدها عن بالى من ساعة ما اليوم ده بدأ.

اليوم كمل وخلصنا تصوير والشباب دخل الأوضة يجمع الصور ويبدأ يشتغل عليها ويحضرها للطباعة، أخدوا الصور مننا Cut مش Copy بالمناسبة ودى بالنسبة لى كانت حركة إحترافية منهم، رغم إنى كان نفسى أشوف الصور على شاشة جهازى عشان أتعلم من الغلطات اللى عملتها، بس قلت لنفسى ده الأصح عموماً فمش هتكلم. جه معاد صلاة الجمعة والناس راحت تصلى على أساس يكملوا باقى فعاليات اليوم بعد الصلاة، فأخدت بعضى وروحت، لأنى مكنتش متظبط نفسياً بسبب الموقف، وجسمانياً لأن ضهرى كان واجعنى جداً.

طول السكة وانا مروّح عمال أفكر فى اللى حصل، وليه الصغيرين مبسوطين والمراهقات هما اللى كانوا متعذبين. أدركت ساعتها إن المشكلة بتكمن فى الـSelf Awareness اللى بيبدأ يظهر مع إنتهاء مرحلة الطفولة. التأثير النفسى السلبى اللى بتتسبب فيه الأيام والفعاليات اللى زى دى عمرها ما هتظهر على طفل غير مدرك، لكن طبعاً هيكون لها تأثير فوق المدمر على بنت مراهقة بدأت تدرك حقيقة واقعها المؤذى فى مجتمع قذر متلون، مدعى للتدين والأخلاق، زى مجتمعنا المقزز. الطفل قد يكون بيتصرف ببساطة وأى حاجة بتفرحه، إنما دى بالنسبة لها إحنا جايبينها فى حفلة ساذجة وسمجة، عشان نعذبها ونفكرها بمشكلة حياتها، وكمان موقفينها فى طابور عشان فى الآخر تقف قدام واحد سخيف زيى يصورها، كأنه بيثبت عليها المشكلة وبيحطها فى برواز؟! انا حاسس إنى عايز أعتذر للبنت دى لغاية النهاردة إذا كنت اشتركت ولو بشكل غير مقصود فى إنى أضايقها أو أؤذيها.

وصلت البيت وقعدت حابس نفسى فيه طول اليوم، وعلى نهاية اليوم لقيت الشباب كتبوا على الجروب إنهم طبعوا الصور ووزعوها وإن العيال فرحت بيها، فقلت الحمد لله، على الأقل فيه حد فرح بأى حاجة.

حاجات إتعلمتها فى اليوم ده:
1) يوم الإحتفال بـ"أى حاجة" عموماً هو فكرة ضحلة حمقاء إستهلاكية رأسمالية رخيصة، سواء كان يوم للحب أو للأم أو لليتيم أو غيرهم، وهنا انا ذكرت فكرة يوم "الإحتفال" أنها سيئة، بينما أظل مقتنعاً بفكرة يوم "التوعية" للحاجات اللى محتاجة توعية فعلاً، زى ما بيتعمل أيام للتوعية بسرطان الثدى والإيدز إلخ... ودى حاجة تانية خالص تختلف عن الإحتفال مع الأيتام أو ذوى الإحتياجات الخاصة أو مرضى السرطان.

2) يوم اليتيم إن كان مقبولاً كنشاط للأطفال حتى سن 6 سنوات مثلاً لأن الموضوع مجرد هيكون لعبة وتسلية، ولكن يعتبر جريمة إنسانية فى حق الأكبر سناً منهم، والأفضل فى جميع الأحوال -إتقاء لأى شبهة ضرر نفسى لهم- هو الإبتعاد عن تذكيرهم بده كل شوية فى المناسبة دى، وتقسيم الإحتفالات خلال العام فى المناسبات الطبيعية اللى الناس بتحتفل بيها، إعملوا لهم حفلات تخرج كل سنة مثلاً لما يخلصوا سنة دراسية، أى حاجة تكون عادية متحسسهمش إنهم مختلفين.

3) احنا محتاجين نقرب أكتر من دور الرعاية دى ونطلع جزء ثابت من دخلنا لهم حتى لو 50 فقط جنية شهرياً. أيوة جزء ثابت منتظم. إعتبرها فاتورة موبايل ولا نت. لو عدد كبير مننا عمل كده هيفرق جامد قوى، فى الآخر الفلوس اللى فى جيوبنا دى مش بتاعتنا عموماً لو بصيت للموضوع بشكل أوسع شوية. والعدد اللى انا شفته ده (وأعتقد فيه أضعافه كتير) مش عارف عشان يعيشوا عيشة محترمة بس بيتصرف عليهم بمبالغ خيالية إزاى. لازم نساعدهم. اللى شفته خلانى أدركت إن الموضوع لازم يبقى أساسى و Systematic زى ما بنطلع فلوس شهرياً لتكاليفنا الثابتة، مش مجرد تبرع كل اما نفتكر كل فين وفين.

4) "الإدراك لعنة" & "الإدراك مسبب للإكتئاب". ودول قاعدتين عامتين ممكن تطبقهم على أى حاجة وأى جانب وهتلاقيهم صح دايماً. ودى الرسالة اللى ورا رمزية قصة آدم وحواء: إنهم محسوش قد ايه هما عرايا وصغيرين قوى غير لما أكلوا من شجرة "المعرفة"، فأدركوا حقيقة واقعهم، وجروا واختبئوا، وأصبحوا restless إن جاز التعبير، بعد أن كانوا -وقت عدم إدراكهم- فى الطراوة طول الوقت وآخر انبساط.

النقطة الأخيرة دى مش غريبة ولا دخيلة على الموضوع، لأ، دى الموضوع نفسه.

اندرو جورج
10/04/2016