26 أكتوبر 2012

هل العالم يسوء حقاً؟



- عن الأطفال اللذين لم يعودوا كذلك -
 - جاستن بيبر؟!! هانا مونتانا؟؟!!!! جاستن بيبر الـ...؟ إحم...
- آه، وساعات سبونج بوب.
- سيبك من سبونج بوب دلوقتى، جاستن بيبر وهانا مونتانا؟!!!!!!

كان هذا جزءاً من محادثة بسيطة دارت بينى وبين أحد الأطفال –كما كان يطلق عليهم قديماً- من سن 10 سنوات، عندما سألته عن ما يحب مشاهدته على التلفاز والأغانى التى يفضلها، أصابتنى إجابته بصدمة أعادتنى إلى أيام طفولتى التى بدت لى فى تلك اللحظة شديدة السذاجة والحمق، مجموعة من الأطفال المعاتية تنتظر يوم الجمعة صباحاً بفارغ الصبر، لتشاهد برامج معتوهة يقدمها مجموعة من الكبار الأكثر عتهاً، فقط لكى يصيبونا بالتخلف العقلى، كم كانت طفولتنا رائعة! ولكن بالتأكيد بدا لى ذلك أنه أفضل من مشاهدة سخافات هانا مونتانا وهذا الـ...إحم.

لا يتعلق الأمر بكون هذا الطفل مدلل ولديه تلفاز فى منزله، فمن المؤكد أن أقرانه فى المناطق الشعبية يستمتعون الآن بالشىء الملعون المدعو بالمهرجانات بدلاً من الأشياء الأخرى الرائعة التى كان يسمعها من كانوا فى سنهم فى الماضى أياً كانت، الأمر سيان ولا يوجد فارق كبير. أذكر أننى عندما عدت إلى منزلى فى هذا اليوم أخذت أفكر فى الموقف وأحلله، ثم شعرت بحنين مفاجىء لأغنية المقدمة لمسلسل جرندايزر بصوت الفنان اللبنانى "سامى كلارك" صاحب الصوت الأسطورى، صحيح أننى وقت طفولتى لم أكن أفهم 90% من كلماتها ولم أكن أعرف إسم المغنى لكنها إنطبعت فى ذاكرتى بشكل ما، فقط لأبحث عنها بعد سنوات لاحقة على اليوتيوب وأسمعها لأدرك كم كانت أغنية راقية رائعة (وبالطبع لكى أقول لنفسى كم هى مقززة أغانى المسلسلات الكارتونية فى أيامنا هذه!).

ماذا أصاب هؤلاء فعلاً؟ لماذا يبدو لى أن هناك عملية تسارع بشعة فى النمو حتى صار الطفل يتصرف كمن هو فى أوج مرحلة المراهقة؟ لماذا صار كل شىء الآن معقداً متشابكاً بينما كان فى الماضى بسيطاً وسهلاً ومباشراً؟ لماذا لم تعد تلك الأشياء الطفولية لطيفة بريئة ساذجة كما كانت وصار كل شىء به لمحة نضج وخبث مقززة مخيفة لا تستطيع تبيّن معالمها جيداً؟ ما الذى تغيّر؟ أو بالأحرى من الذى تغيّر؟

حكى لى أحد أصدقائى منذ فترة -وهو خادم بالكنيسة- عن موقف عجيب جداً حدث معه مع أحد أطفال المرحلة الإبتدائية، حيث إتصلت بصديقى هذا أخته لسؤاله عن شىء بينما كان بصحبة أحد الأولاد الصغار، وبعد أن إنتهى من المكالمة سأل الطفل صديقى "كنت بتكلم مين يا أستاذ؟" فرد عليه صديقى "دى أختى يا حبيبى"، فوجىء صديقى برد الطفل عليه ضاحكاً ساخراً متغامزاً "أختك ولا زى أختك يا أستااااذ ؟" !!!

عندما حكى لى صديقى القصة أول مرة ضحكت بشدة ثم أصابنى صمت وحالة "تناحة" مفاجئة، وقلت لصديقى "هو إحنا كان فينا حاجة غلط ولا هما اللى فيهم حاجة غلط؟ انا فاكر كويس إنى مخدتش بالى من وجود كائن إسمه بنات على كوكب الأرض غير فى أولى ثانوى تقريباً!" ضحك صديقى وقال لى "ما كلنا كنا كده، الظاهر إحنا جيل تعبان وعلى قد حاله!" لم أعلق بعدها لأنى لم أجد ما أقوله، حقاً لم أعد أفهم ما الذى تغيّر: العالم أم انا.


- عصر القرود -

 
فى أحد الأيام أثناء عملى السابق لمحت كتاباً مع إحدى الزميلات، وبحكم الفضول الذى ينتابنى كلما رأيت كتاباً سألتها ماذا تقرأ، وطلبت منها أن أطلع عليه فأعطتنى إياه، لأجد كتاب "عصر القرود" للدكتور مصطفى محمود.

وقتها لم أكن قد قرأته من قبل، فأخذته منها بفضول وقمت بالمرور عبر صفحاته، لأعطيه لها مرة أخرى بعد حوالى ربع ساعة قائلاً لها "ده كلام واحد جاله صدمة نفسية من الإنفتاح أفقدته إتزانه، واضح إن الموضوع كان صعب قوى على أعصابه ومقدرش يستحمل، حتى لو كان د. مصطفى محمود شخصياً!"

فى الكتاب، ومنذ السطر الأول، تدرك مدى رعب كاتبه من كل الظواهر المحيطة به، إبتداء من متلازمة فوبيا ملابس المرأة الشهيرة، وترحّمه على أيام كانت المرأة يُنظَر إليها فقط على أنها الأم التى تجسد الرحمة والحنان، مروراً بتعجبه من إزدحام المدن بالناس وإختناق الشوارع وضيق العمارات بسكانها (هذا الكتاب نُشِرت منه الطبعة الأولى عام 1972 إن كنت تتسائل!) ويترحم الكاتب على أيام النسمات الطليقة التى عرفها فى العصر الزراعى، ثم ضيقه من الموسيقى الصاخبة المتمثلة فى الجيتار الكهربائى وإختفاء "صوت الناى الرقيق الخجول" و "صوت العود الذى يداعب ويهمس ويوشوش".

يستمر الكتاب فى مسلسل الترحمات، فيترحم على "الوفاء فى الحب" والذى أصبح "أقصوصة خرافية فى مقابل الحب العصرى فى كافيتريا الجامعة"، ثم يهاجم برنامج "العالم يغنى" الذى يعرض أغانى "كلماتها هى فى إجمالها حمى وهذيان وهلاوس، وحركاتها تترك لديك الإحساس أنك أمام طقوس وثنية بدائية الصنم المعبود فيها هو جسد المرأة"، وأن تلك الثقافة الغريبة زحفت إلى إعلاناتنا وأغانينا لأننا نقلد الغرب تقليداً أعمى، ويتأفف الكاتب من "رقص الصبايا أنصاف العاريات وغناء داليدا المثير والحركات الهستيرية لأنثى أفعوانية مثل كلوديا كاردينالى"، بالطبع إنتقل الكاتب بعدها إلى الحديث عن نهاية العالم، ودليله على ذلك أن أهل الأرض أصبحوا يظنون أنهم تمكنوا من كل شىء بعد أن مشوا على القمر وأصبحوا يزرعون الأجنة وظنوا أنفسهم آلهة، وبعد إنتشار الإنحلال والنساء العاريات (وكأن كل هذه أشياء هبطت فجأة على كوكب الأرض)، وبعد "الفجور الذى أشاعته فى العالم كله أجهزة السينما، والتلفزيون والإذاعة". هذا كان رأى د. مصطفى محمود فى ما حوله فى بداية السبعينات، فى العصر الذى ننظر نحن إليه أنه كان رغداً ورائعاً مقارنة بما نعيشه الآن، فهل بدأت تلاحظ نمطاً ما؟


- رحم الله زماننا -

 
هل العالم يسوء فعلاً؟ أم أن خوفنا من الآتى وكل ما يختلف عن ما خبرناه هو ما يصيبنا بهذا الإحساس الرافض لكل ذلك؟ بالفعل هناك ظواهر غريبة لم أستطع فهمها فى ضوء ذلك التفسير: فأكثر فيديو كليب محترم الآن لو كان عُرض منذ 10 أعوام لأغلقوا القناة للأبد! لكن...ألم يكن الحال هكذا معنا نحن وقت أن كنا أطفالاً ومراهقين؟ أذكر أن والدى –رحمه الله- كان كلما رأى وجة عمرو دياب فى التلفاز ردد: "ايه القرف ده، جايب معاه شوية رقاصين وعمال يتنطط ويقول ويلومونى ما يلومونى؟ فين عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وكلامهم الراقى وأفلامهم الجميلة". لكن حتى والدتى حكت لى فى إحدى الأيام عن الحروب والمؤآمرات التى كانت تُحاك ضد الفنان عبد الحليم حافظ من المطربين الكبار وقتها، ووصف جيل الكبار له وقتها أنه "مُطرب الشباب التافة"! يبدو أن حتى عبد الحليم حافظ لم ينجُ من تلك الدائرة وكان فى أحد الأيام يُنظر إليه أنه المطرب السنتيح التافة الذى يسمعه الشباب الرقيع! تماماً كما كانوا يتهمون الفتيات اللاتى كنّ يقرأن روايات إحسان عبد القدوس ويوسف السباعى فى الستينيات بالإنحلال وإنعدام الخلق، وعلى هامش هذا الموضوع لا أنسى بالطبع أن أذكر بالخير نيابة عن أبناء جيلى كل من كانوا يستخفّون بنا عندما كنا نقرأ "رجل المستحيل" و "ما وراء الطبيعة" وكانوا يصرون على تسميتها "ألغازاً"، وأخص بالذكر أستاذ اللغة العربية فى الصف الثانى الثانوى الذى وصف ما وراء الطبيعة عندما رآها فى يدى أنها "قصص شيطانية"!

وعلى سيرة تلك الـ"ألغاز" التى تربينا على يد كتّابها، يحدثنا د. أحمد خالد توفيق فى إحدى مقالاته القديمة التى نُشرت بموقع بص وطل تحت عنوان "انا لم أتغير..الحياة تغيرت" عن ذكريات والده التى كان يحكيها له بإستمرار قائلاً:

" هي الفراخ بتاعتكم دي فراخ؟.. دي عصافير.. كنا بنشتري عربية وفيلا ودستة بيض بنص ريال. كانت الدجاجة بحجم الخروف والخروف بحجم ديناصور ترايسيراتوبس، وكانت للأزهار رائحة حقيقية.. كانت الأغاني أعذب والفتيات أجمل والأفلام أمتع والبشر أنقى.. ".

ثم يحكى لنا الكاتب بعدها إكتشافه أن عصر والده لم يكن بهذا النقاء بعدما قرأ عن ما كان يوجد وقتها من أبشع الحوادث مثل جرائم ريا وسكينة، وحادثة البواب الذى أغتصب الطفلة ذات الثلاثة أعوام إلخ..، وبعدها ينتقل بنا إلى الحاضر حيث أكتشف أنه أصبح يفكر بنفس طريقة والده ويردد نفس الكلام:

"اليوم أنظر أنا بدوري إلى الوراء فيبدو لي أن الحياة كانت أفضل في صباي بكثير. قلت لابني إن الأغاني في عصري كانت أعذب والفتيات أجمل والأفلام أمتع والبشر أنقى... أرغمته على مشاهدة بعض أفلام السبعينيات على غرار (الأب الروحي) و(قصة حب) فشاهدها وقال لي بصراحة إنها (زي الزفت). أغاني البيتلز والآبا والبي جيز (خنيقة) جداً في رأيه.. ولم يحب أية أغنية من أغاني وردة الجزائرية الحارقة في أوائل السبعينيات مثل (حكايتي مع الزمان) و(اسمعوني).. طبعًا لم أحاول أن أسمِعه أم كلثوم فأنا لست مجنونًا.. لن يفهمها ولو بعد مائة عام..

قلت له في غيظ إنه بعد عشرين سنة -أعطاه الله العمر- سوف يُسمع ابنه أغاني (شاجي) و(إنريكي إجلسياس) و(فيرجي) ويعرض عليه أفلام (الرجال إكس) و(الفارس الأسود).. لكن الوغد الصغير سيؤكد له أنها (زبالة)، إلا أن ابني لم يصدق.. يعتقد أن الأخ (شاجي) خالد للأبد.. "


- الحكيم -

بعضهم عندما يُفتح أمامه باب المناقشة بخصوص تلك الظاهرة تجده ينظر لك فى ذكاء خارق مردداً "بالطبع، كل زمان وله أدان". لكن الحقيقة أن الموضوع ليس بتلك البساطة، أكاد أرى نمطاً متكرراً عبر كل تلك العصور ولكنه نمط غريب يصعب تحليله لأن من الإستحالة أن تستمر طفولة شخص واحد لأكثر من جيل، فطفولة الشخص تحدث فى جيل واحد فقط، بعدها يكبر وينضج ويبدأ فى رفض كل ما يلى تلك الحقبة. ولكن يبدو الأمر وكأن هناك نسخاً متكررة منا فى كل عصر: الإنسان المنفتح على ما هو آت والإنسان الخائف من العصر، المُحدث والملتزم بالماضى، المنادى بحرية المرأة ومن يريد للمرأة أن تعود أماً وزوجة فقط وتلزم المنزل، أنظر فى كل عصر سترى المطربة التى يعشقها البعض ويراها البعض تحث على الفسق والفجور، سترى المراهق الذى يقدم على قراءة شىء ما أو الإستماع لشىء ما بينما يراه أهله تفاهة أو فساداً، كل شىء حولنا ما هو إلا مجرد أنماط متكررة حدثت فى كل العصور.

من يعلم...ربما كان هناك نسخ أخرى منى كذلك فى كل عصر تنظر إلى كل ما حولها وتتعجب بنفس الكيفية! لكنى أستبعد ذلك لأننا قبل هذا الزمن كان يصعب عليك أن تضع كافة العصور بمنتهى السهولة إلى جانب بعضها وتقارن، أما فى أيامنا هذه فأنت –على سبيل المثال- تستطيع بنقرة أن تسمع عبد المطلب وكارم محمود، وبنقرة أن تسمع عبد الحليم حافظ، وبنقرة أن تسمع محمد منير، وبنقرة أخرى أن تسمع –أستغفر الله العظبم- أوكا وأورتيجا، فهذه قد تكون بالفعل هى الميزة الوحيدة التى لم تحدث من قبل فى أى عصر من العصور، أن تستطيع أن تضع كل شىء جنباً إلى جنب وتنظر إليه من الأعلى فترى الصورة كاملة وتلاحظ الأنماط المتكررة.

لكن لحظة...ألم يكن هذا هو الحال بالفعل وقت ظهور التلفاز؟؟ أكاد أسمع أحدهم يقول فى إنبهار وهو ينظر إلى شاشة أول تلفاز يراه فى حياته "يا إلهى لقد أصبح العالم صغيراً جداً بعد إختراع هذا الشىء، أصبحت تستطيع أن ترى ما يحدث عبر كل العالم جنباً إلى جنباً فى لحظة واحدة من خلاله!"، وبالتأكيد قيل نفس الشىء وقت ظهور الراديو، ووقت إختراع التليفون، وبرقيات التلغراف، وربما وقت إختراع الكتابة والتدوين فى عصور ما قبل التاريخ!

ستجد هناك دائماً الكثير من المتأملين العباقرة اللذين يقولون بعد قراءة الكتب من نوعية عصر القرود: "هذا الرجل كان عبقرياً وتنبأ بالعصر الذى نعيشه الآن"، لكن الحقيقة ليست كذلك، فالكتاب لا يزيد عن مجرد سرد لخواطر شخص مفزوع من كل ما يحيط به، الحقيقة أنه لا يوجد عصر واحد للقرود، بل أن كل عصر قادم سيبدو لأبناء العصر السابق له عصراً للقرود، فكل ما ذكرناه أكاد أقسم أنه ماهو إلا جزء من دائرة كبيرة لا تأبى إلا أن تعيد نفسها فى كل عصر بشكل يجعلك تتسائل: هل تتقدم البشرية فعلاً؟ أم أن كل مسألة التقدم هذه مجرد وهم كبير نعيشه ونحن فى الحقيقة ندور حول أنفسنا فى حلقات متكررة سخيفة؟ لا أعلم لكن على أى حال أتمنى أن لا يقرأ أحداً فى المستقبل هذا الذى كتبت فيهزأ بى متهماً إياى بالسذاجة!

أندرو جورج
26-10-2012


وصلات متعلقة بالموضوع:
د. مصطفى محمود – عصر القرود

د. أحمد خالد توفيق – انا لم أتغير .. الحياة تغيرت

سامى كلارك يؤدى أغنية جرندايزر العربية – كوميك كون دبى
http://www.youtube.com/watch?v=6ageNZ3Sg-M


هذا المقال نُشر فى موقع جريدة الوطن على 4 حلقات:
http://www.elwatannews.com/news/details/430524
http://www.elwatannews.com/news/details/431198
http://www.elwatannews.com/news/details/434658
http://www.elwatannews.com/news/details/437043

18 أغسطس 2012

تجارب مثيرة للجدل (1) - صناعة التضليل



مقدمة مملة
كيف يتأثر الوعى العام بسهولة بهذا الشكل الغريب ومن الذى يحركه خفية فيجعله ينقلب على فلان ويتقبل فلان بعد أن كان الحال معكوساً؟ كيف يقبل المجندون ببعض الجهات الأمنية تعذيب المواطنين بدون أدنى وخز للضمير رغم أنهم إخوتنا وأولادنا، والمسألة -كما لاحظ الجميع فى الفترة الماضية- كانت أكبر من مجرد طاعة للأوامر؟ إذا إنقلبت الأدوار وأصبح الضحية مكان الجلاد فهل سيكون رقيقاً طيباً لأنه ذاق مرار التعذيب، أم أنه سيتحوّل إلى جلاد أكثر بشاعة؟

أسئلة كثيرة متنوعة كان يطرحها معظمنا أثناء متابعته للأحداث المتسارعة خلال الفترة الماضية، ويعلم الله إلام ستنتهى تلك الفترة العصيبة التى نعيشها. أسئلة لم نجد إجابات شافية لها بل كنا نطرحها دون البحث عن إجابة لها أثناء قراءتنا لخبر أو مشاهدة فيديو هنا أو هناك، إلا أننى أثناء بعض قراءاتى فى أحد الكتب وبالصدفة البحتة وجدت ذكراً لإحدى التجارب الإجتماعية الهامة، وعندما بحثت عنها على شبكة الإنترنت عثرت على مجموعة من التجارب النفسية الخطيرة التى أجريت معظمها فى الخمسين عاماً الأخيرة فسّرت لى الكثير من الظواهر التى لم أكن أفهمها، فقررت تعميق البحث أكثر ومشاركته معكم من خلال سلسلة من المقالات.

تجارب مثيرة للجدل (1) – صناعة التضليل
رغماً عنى صرخت فيه قائلاً: "لماذا لم تتكلم؟؟ لماذا لم تدافع عن شرف الفتاة حينما هاجمها زملاؤك فى المكتب وأتهموها بأقذع الإتهامات؟ أى عباءة على اللحم تلك التى يتحدثون عنها؟ أنت تعرف جيداً أن سبب هجوم معظمهم عليها فى هذا الوقت بالذات هو أنهم صدرت إليهم الأوامر من قياداتهم أن يقوموا بتشوية صورتها لتهدئة الناس لأن مصلحتهم فى تلك الفترة تقتضى ذلك، فلماذا لم تردّ غيبتها فى تلك اللحظة؟ هل خفت منهم أم أنك لا تؤمن بالمبادىء التى تدعى الإيمان بها بما فيه الكفاية؟"
~~  موقف من ذاكرتى أيام الثورة


- مقدمة أشد مللاً -
إذا كان لديك رأى بخصوص شخص/جماعة/قضية ما، ثم وجدت نفسك فجأة بين مجموعة من الناس ترى رأياً مغاير، فهل تتأثر بداخلك ولو بشكل غير مباشر؟ هل إعتدت الدفاع عن رأيك فى مواجهة الآخرين مهما كان رأيك يبدو شاذاً مقارنة بمن حولك، أم أنك إعتدت الإستسلام وتفضيل الصمت (فربما كانوا هم على حق)؟ إلى أى مدى تتمسك بقناعاتك فى مواجهة الآراء المخالفة لرأيك، والتى تبدو كأشياء مسلم بها بين الجميع ماعدا أنت؟

هذا هو ما حاول "سولومون آش" (1907-1996) أحد رواد علم النفس الإجتماعى بحثه فى تجربة مثيرة للجدل تم نشر نتائجها عام 1951، تُعرف بإسم "تجارب آش للإمتثال" (Asch Conformity Experiments).





يعرف الإمتثال أو الإتباعية Conformity فى علم النفس أنه "محاولة مطابقة السلوكيات والمعتقدات الشخصية للفرد إلى تلك التى يراها أنها العادية/الأكثر إنتشاراً فى مجموعته أو مجتمعه"، وهذا يمكن أن يحدث على مستوى المجموعات الصغيرة، كالأصدقاء أو الزملاء على سبيل المثال، أو على مستوى المجتمع بالكامل. هذا التأثير ينتج عادة بسبب الضغط الإجتماعى المحيط بالفرد، والذى يؤثر عليه ويجعله لا يشعر بالراحة فى كونه مختلفاً عمن حوله، وذلك خوفاً من أن يصبح "منبوذاً إجتماعياً" أو  خشية أن يتعرض للنقد أو الهجوم، وبالتالى فهو يبدأ فى التأثر بالتيار العام المحيط به طلباً للشعور الزائف بالدفء والأمان وسط الجماعة المحيطة.

الآن وقد تعرفنا على ماهية "الإمتثال"، يمكننا البدء فى الحديث عن التجربة...


- التجربة -
التجربة ببساطة هى أن تتم دعوة الشخص محل التجربة إلى ما يخبرونه عنه أنه مجرد "إختبار نظر بسيط". يجلس هذا الشخص وسط حوالى 5 - 7 أشخاص آخرين، هم فى الحقيقة حلفاء للقائم بالتجربة، ولكن بالطبع صديقنا لا يعرف هذا ويظن أنهم جميعاً مجرد مشاركين مثله تماماً. ثم يتم عرض صورة مثل تلك الموجودة بالأسفل على جميع الموجودين على أنها إختبار النظر، وعلى المشاركين أن يقوموا بإلإجابة بالترتيب وإختيار أى خط من الخطوط الثلاثة مماثل فى الطول للخط الوحيد فى الجانب.


يقوم القائم بالتجربة بعرض الكارت الأول، ويبدأ المشاركون (الحلفاء والشخص الذى تقام عليه التجربة) بإختيار الخط المطابق والإجابة حسب ترتيب جلوسهم إلى أن يجيبوا جميعاً وتحسب تلك محاولة، ثم يتم عرض الكارت التالى عليهم ويتم سماع إجابات المشاركين مرة أخرى وهكذا. والخطة هى أن يقوم الحلفاء بترديد الإجابة الصحيحة فى أول محاولتين فقط، ثم يقومون جميعاً فى المحاولات التالية بإختيار إجابة خاطئة معينة وتكرارها عبر المحاولة الواحدة، إلى أن يصل الدور فى الإجابة إلى الضحية لنرى رد فعله، فالهدف الحقيقى من التجربة ما كان إلا دراسة مدى تأثير ترديد إجابة خاطئة محددة على حكم هذا الشخص وكيف سيكون رد فعله، هل سيجيب الإجابة الصحيحة بغض النظر عما قاله الآخرون أم سيتراجع أمام هذا الإجماع الغريب على نفس الإجابة؟ تم تكرار التجربة بأشخاص وعناصر أخرى وتنويعات متعددة لدراسة التأثيرات المختلفة.


- النتائج -
النتائج المذهلة التى نشرها العالم الأمريكى عام 1951 كانت كالتالى:
  • 33% من المشاركين وافقوا الأغلبية على الإجابة الخاطئة فى أكثر من نصف عدد المحاولات.
  • 75% من المشاركين وافقوا الأغلبية على الإجابة الخاطئة مرة على الأقل.
  • 25% فقط من المشاركين كانوا مستقلين تماماً وتمسكوا برأيهم عبر التجربة.

تم تصنيف النسبة المتمسكة بآرائها إلى ثلاثة مجموعات:
  1. مجموعة واثقة تماماً فى آرائهم المخالفة للمجموعة.
  2. مجموعة كانوا فى حالة توتر واضحة ولكنهم تمسكوا بوجهة نظرهم.
أما الباقون اللذين وافقوا باقى المجموعة على الإجابة الخاطئة تم تصنيفهم إلى ثلاثة مجموعات أخرى:
  1. مقتنعون أن الأغلبية تكون على صواب معظم الوقت.
  2. غير واثقين من أنفسهم وبالتالى تم التأثير على حكمهم على الأمور.
  3. يعلمون أنهم على صواب ولكن قاموا بترديد الإجابة الخاطئة لتلافى أن يكونوا مخالفين لرأى المجموعة.

كذلك تم التوصل إلى نتيجة أخرى هامة، وهى أن وجود ثلاثة حلفاء فقط يرددون الإجابة الخاطئة يقوم بنفس التأثير على النتائج الذى يقوم به أى عدد أكبر من ذلك، أى أن ترديد الكذبة ثلاثة مرات فقط يكفى تماماً ولا داعى لأكثر من ذلك. كما ذكرنا من قبل تم عمل تنويعات مختلفة على التجربة لدراسة التأثيرات المتعددة، وللتعرف على تفاصيل أكثر يمكن قراءة الوصلات الموجودة فى نهاية الموضوع. جدير بالذكر أيضاً أنه تم توجية الكثير من النقد لتلك التجربة المخيفة، مثلاً أن المشاركين بالتجربة كان معظمهم من الشباب الذى يسهل التأثير عليه وليس من كبار السن الأكثر نضجاً، وقد كان من الطبيعى توجية مثل تلك الإنتقادات الواسعة للتجربة بسبب نتائجها الصادمة.


- ربط النتائج بقراءة للواقع -
المتمعن فى قراءة نتائج تلك التجربة يستطيع بسهولة الربط بينها وبين الكثير من الأحداث اليومية التى يراها فى حياته. كما رأينا تكمن خطورة تلك التجربة فى نتائجها، فمن كان يصدق أن تلك النسبة المخيفة قامت بالتنازل عن رأيها تماماً فى مقابل رأى الأغلبية؟ وهل يعنى ذلك وجود إمكانية إستخدام التأثير المنتظم المتكرر للتحكم بآراء شخص أو مجموعة ما على نطاق أوسع؟ هل تذكر أيام الثورة صراخ المتصلين بكل القنوات الفضائية فى نفس الوقت من البلطجية اللذين سيلتهمونهم أحياء وكيف كان تأثير ذلك على العامة؟ حتى لو نظرنا إلى الجانب المغاير، فاللذين يهاجمون الثورة أنفسهم يرون أنها كانت بتخطيط جهات ما قامت بنشر الفكرة والتأثير على الناس وتحريكهم فى نفس الوقت. كيف أصبح الجميع يرى البرادعى فى خائناً فجأة فى وقت ما، وأنه "ساعد أمريكا على دخول العراق" إلخ، رغم أن حقيقة الأمر هى عكس ذلك بالضبط؟ كم كذبة تعتقد أنه تم نشرها بيننا من قبل وإعتبارها حقيقة واقعة فقط لأنها تم ترديدها أمامنا عشرات المرات لغرض ما فى نفس أحدهم أو بعضهم؟

أنظر إلى آراء الناس فى الجماعات السياسية، هناك من الجماعات من كان المجتمع المصرى يلفظهم قديماً، لكنهم أصبحوا الآن "قوم طيبون يريدون مصلحة الجميع"، وهناك جماعات آخرى كانوا أبطالاً ومناضلين، أصبحت الغالبية العظمى تنظر لهم أنهم "خونة" بدون أى سبب منطقى، كيف إنتشرت تلك الآراء بين الناس هكذا؟ ما هو العامل المساعد على نشرها سوى كثرة الزن المنظم، والذى يؤدى إلى بدء دحرجة كرة الثلج، ثم تتضخم الكرة آلياً كلما إنتشر الكلام بعد ذلك بسبب كثرة تكراره بين الناس؟ هل تجرؤ على مخالفة تلك الآراء المنتشرة بين أقرانك، أم أنك تصمت، بل وتحاول أحياناً أن تتوافق مع ما تسمعه بسبب الضغوط المحيطة، فتصبح أنت شخصياً إضافة جديدة لكرة الثلج المستمرة فى الدحرجة والتضخم؟


- مضاعفات -
لقد أدرك الجميع تأثير تلك الألعاب النفسية مبكراً، حتى هؤلاء العاملين بمجال التسويق، والأخطر حدث حينما قامت مئات من الجماعات ذات الإتجاهات المختلفة بإستخدامها ضدنا خلال الأعوام الماضية، سواء من خلال محطات فضائية تنشر الثقافة الغربية بشكل لا يتوقف كما يحدثنا د. أحمد خالد توفيق فى إحدى مقالاته عن أن أى مراهق مصرى يشاهد التلفاز الآن يدرك تماماً مدى بشاعة أن تكون الفتاة بلا شاب يصطحبها ليلة البروم(!)، أو على الجانب الآخر الجماعات الأخرى -وهى الأكثر تأثيراً- والتى تنتشر محلياً بين الناس لتقوم بالـ"زن" عليهم بهدف نشر بعض الأفكار لغرض ما، فهناك المئات من الظواهر التى لو نظرت حولك جيداً وحاولت قراءة ما بين السطور ستفهمها فى ضوء تلك التجربة، كإنتشار ملابس معينة بين الناس بكثافة خلال الأعوام الماضية، أو كظهور أفكار متطرفة غريبة على مجتمعنا وإنتشارها كالنار فى الهشيم رغم تأكيد الجميع أن هذه الأفكار ليست من داخلنا، إلخ، لكن خطورة هذا الأمر للأسف لا تتوقف عند مجرد نشر الشائعات.

يحدثنا د. فرج فودة فى كتابه "الإرهاب" تحت عنوان "الشائعات والطلقات" قائلاً:
لو قدر للمتطرفين أن ينشئوا مدرسة للإرهاب، لكان الدرس الأول فيها "لا تتسرع بإطلاق الرصاص، وابدأ أولاً بإطلاق شائعة، وتعمد أن تكون فجة ومثيرة، وأسهل الشائعات أن تتهم الضحية بتمزيق المصحف أو بدهسه بالأقدام، أو بأنه شتم سيدنا الحسين، أو أنه يتباهى بالكفر والإلحاد، أو بأنه شتم الدين الإسلامي، وسوف تنتشر الشائعة كالنار فى الهشيم، وبعدها لك أن تقدم آمنا مطمئاً على إطلاق النار، وسوف تجد طريقك ممهداً، وإرهابك مؤيداً، فأنت أمام الرأي العام، مدافع عن الإسلام، ومنتقم ممن داس المصحف بالأقدام، أو شتم سيدنا الحسين."

كيف تقوم بتجهيز الوعى العام لتقبّل أى حدث كان فى الظروف العادية سيرفضه؟ يحدثنا الكاتب بأمثلة أحداث واقعية عن تشكيل الوعى العام عمداً لكى يتقبل الأحداث المدمرة قبل القيام بها، وذلك عن طريق إطلاق بعض الشائعات المدروسة خلال الأبواق الخفية للجماعات قبل الحدث الطائفى مباشرة، وأحياناً أخرى قبلها بفترة طويلة لو كانت العملية المخطط لها ذات وزن ثقيل، مثل شائعة مدروسة تم نشرها عمداً عن قيام الأطباء الأقباط بتعقيم النساء المسلمات، وذلك قبيل أحداث الزاوية الحمرا الطائفية الشهيرة فى بداية الثمانينات، وأخرى عن أن الولايات المتحدة تقوم بتصدير "فراخ سامة" لمصر تأثير سمها لا يظهر سوى بعد 10 سنوات، وذلك للتمهيد لعملية هجوم إرهابى مسلح على سيارة تحمل دبلوماسيين أمريكان تم القيام بها بعد نشر الشائعة بفترة قصيرة، وفى كل مرة فإن رد الفعل الشعبى فى إستنكار الحادث الأليم يكون أقل بكثير من المتوقع وذلك لأن الوعى العام تم تهيئته مسبقاً ((عن عمد)) بنشر الشائعة، وأصبح بالتالى الحادث الإرهابى الذى يليه هو نوع من الإنتقام الإلهى الذى يثلج صدر العامة، وليس كارثة يجب الوقوف ضدها ومهاجمتها.

فى جزء آخر من الكتاب يحدثنا الكاتب عن كيف أن الشعب أيام حكم جمال عبد الناصر كان يتغاضى تماماً عن تعذيب معتقلى الجماعات الدينية فى السجون، وذلك لأن وعيه كان مهيئاً تماماً لفكرة إن هؤلاء جميعاً ما هم إلا مجموعة من القتلة يريدون تدمير المجتمع وبالتالى لم يكن يدافع عنهم أحد نهائياً. كل هذا لأن الماكينة الإعلامية وقتها من صحف وراديو كانت فى يد طرف واحد هو الحكومة، وبالتالى كان ما يترسخ فى ذهن الناس هو ببساطة ما أرادت الحكومة وقتها ترسيخه، هؤلاء جميعاً شياطين نحاول حمايتكم منهم، بالطبع لم تميّز المعتقلات بين الإرهابى الحقيقى أمثال شكرى مصطفى، والملتزم الغلبان والذى أوقعه حظه العاثر مع مخبر أراد إسعاد رئيسه فى العمل بضحية جديدة، لكن من ينشغل بتلك التفاصيل على أى حال؟

والآن ماذا يفعل الطرف الآخر وهو جماعة منظمة وقد أدرك قواعد اللعبة، بينما ليس لديه سلاحاً إعلامياً يمكّنه من التلاعب بوعى الناس؟ بسيطة، سيقوم بإحتلال المجتمع من أسفله عن طريق الإنتشار على الأرض بين الناس وترديد الكلام الذى يريد ترسيخه فى أذهان الناس مراراً وتكراراً، وبالتالى أصبح يمتلك ماكينة إعلامية أقوى مئات المرات من ماكينة الحكومة البالية التى مازالت تخاطب الناس من برجها العاجى، فالطرف الآخر هذا هنا يخاطب ذهنك مباشرة وهو جالس على المكتب المجاور لك فى العمل، أو على الكرسى المقابل لك فى القهوة وهو يحتسى معك كوباً من الشاى، وليس من خلال شاشة فى قنوات لم يعد أحداً يشاهدها أو سطور فى جريدة لم يعد أحداً يشتريها. هكذا إنقلبت الآية تماماً وأصبح الجميع خلال بضع سنوات تالية يقف فجأة ضد الحكومة الفاجرة على طول الخط سواء كانوا على صواب أو على خطأ، تماماً كما كانوا يقفوا قديماً ضد المعتقلين ظلمة كانوا أو مظلومين!

تخيل لو أن هناك الآلاف من البشر منتشرون بيننا، ينتمون لجماعة واحدة، ومتصلون بعقل واحد يحركهم، هل تدرك مدى خطورة أن تصدر أوامر لهؤلاء جميعاً بنشر نفس الكلام والأفكار بين الناس فى نفس الوقت؟ ببساطة شديدة سيصبح كذبهم بين ليلة وضحاها هو الحقيقة المسلم بها والتى لا تحتمل النقاش! على سبيل المثال إذا كان لدينا مؤسسة متوسطة الحجم تتكون من 1000 شخص، وإتفق 20 منهم فقط على نشر نفس الكلام فى نفس الوقت بنفس الكثافة، ثق تماماً أن الكلام الذى سيقومون بنشره -أياً كانت مدى صحته- سيصبح بعد قليل من الوقت حقيقة لا جدال فيها ولا نقاش، ومن سيكذّبها سينظر له الجميع كمن ينظر إلى شخص مجنون، وسيطالبوه فى سخرية أن يثبت لهم صحة إدعاؤه الشاذ!


- خاتمة -
يحكى أحد طلبة الجامعات بالخارج تجربته مع "تجربة آش"، فيقول أنه أثناء مشاركته فى تلك التجربة لم يقتنع بإجابات الآخرين الخاطئة وكان مصمماً بشدة على رأيه، لدرجة أنه قام من مقعده وأحضر قصاصة ورقية صغيرة وقام بإستخدامها لقياس الخطوط ومقارنة أطوالها وإثبات للآخرين أنه على صواب وهم على خطأ، ففوجىء لاحقاً بإستدعاء الجامعة له لمقابلة الأخصائى النفسى لدراسة "حالته"، فبالنسبة لهم كان تصميمه الشديد على رأيه ورفضه أن يكون جزءاً من القطيع يمثل سلوكاً غريباً يستحق الدراسة، وكأن عدم موافقته على كلام الآخرين يشكل خطورة ما للمجتمع!

والآن إذا كان لك رأياً مخالفاً للمحيطين بك، هل ستجاهر به فى ثقة؟ أم ستصمت وتدفن رأسك كالنعام وتسير فى ركبهم كالغنم؟

القرار لك وحدك...


وصلات متعلقة بالموضوع:
The Asch Experiment

Asch Conformity Experiment (1/2)

Asch Conformity Experiment (2/2)

البرنامج؟ مع باسم يوسف - الزن على الودان (24 ديسمبر 2011)

أحمد خالد توفيق - عن مكدونالد والبطة دونالد

أحمد خالد توفيق - عن سوبرمان الجديد (1)

أحمد خالد توفيق - عن سوبرمان الجديد (2)

Social Rejection


المراجع:

07 مايو 2012

رد بخصوص "متقولش عليهم بيئة"

الفقرة الأصلية "متقولش عليهم بيئة"
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=10151796968885001&id=718960000

عندى رد بسيط بس على الناس اللى عمّاله تشيّر الفقرة الصغيرة بتاعة "متقولش عليهم بيئة" اللى كتبتها الأستاذة "رانيا شكرى" وإنتشرت على الفيسبوك بشدة، كأن الكل فجأة بقوا ملايكة ومتقبّلين الـDiversity اللى فى المجتمع، والباقيين وحشين وJudgmental وبيظلموا خلق الله الغلابة.

هو إحنا كنا بننتقد الناس دى لمجرد إنهم فقراء وغلابة وجايين من بيئة بسيطة؟؟ لأ طبعاً وألف لأ، لأن الناس الفقراء والغلابة دول على راس كل واحد فينا من فوق وعلى راسى انا شخصياً من فوق.

إنما معلش لما ألاقى العيال دول بيعدّوا شارع البحر بملابسهم الداخلية (وأحياناً من غيرها!)، وبيدمّروا تماماً أى تمثال جمالى أو معلم سياحى أو حتى نافورة تطولها إيديهم، وييجوا يركبوا الترام يشغّلوا أغانى بصوت مزعج للناس كلها، وينادوا بعضهم بألفاظ نابية خادشة للحياء، ويمشوا فى الشارع يتحرّشوا بكل أنثى يشوفوها بالألفاظ وبالإيد. إزاى عايزين إننا نتقبل وجودهم بالشكل ده فى وسطنا؟

الناس اللى بتطالب بالترحاب بالناس دى هى ناس فاهمة فكرة تقبّل الآخر ومبدأ الـ Diversity غلط خالص، لأن أساس إحترام التنوّع فى البشر هو الإحترام المتبادل، يعنى انا أحترمك وإنت تحترمنى. فيه مثال أحد أساتذتى قالهولى على الموضوع ده هو إنك لو رحت مؤتمر فى دولة عربية ولقيت الناس هناك بتاكل بإيديها تحترمهم ومتتريقش عليهم لأن هما ثقافتهم كده، فى مقابل ده هما كمان لما ييجوا مؤتمر فى مصر أو فى دولة أجنبية مثلاً لازم يحترموا ثقافة الحضور اللى حواليهم وياكلوا بالشوكة والسكينة.

هو ده تعريف التنوّع البشرى وتقبّل الآخر فعلاً.

من حق كل إنسان فقير قد يكون ربنا حرمه من فرصة حياة كويسة زينا -لسبب هو أعلم به- إنه يشعر بالسعادة وده شىء مفروغ منه، وإنه يتمتع بالبحر الجميل اللى ربنا خلقهولنا "كلنا" مجاناً، وإنه يتفسح وينبسط ويتصوّر مع أصدقاؤه فوق كوبرى ستانلى وفى أصغر مول فى إسكندرية لو هو حابب كده...

إنما إزعاج وتدمير وتحرّش؟ وجايين تطالبونا بتقبّل ده؟ لأ طبعاً لازم نميّز الخط الفاصل بين تقبّل الآخر وتدمير نفسنا، الموضوع أكبر بكتييييييير من مجرد مجموعة شباب فقير طيب القلب حب يتصوّر فى المول وشباب معوج بيتريق عليهم زى ما الأستاذة رانيا تفضّلت وكتبت مشكورة فى تعليقها.

وشكراً.

أندرو جورج
07-05-2012



06 فبراير 2012

عن الردود اللى مش بنقولها


فيه مواقف كتير قوى بتحصل لنا، وبيبقى جوانا ردود قوية نفسنا نقولها، بس غصب عننا بنضطر نبلع الردود دى ونرد بكلام تانى أكثر هدوءاً عشان ميتقالش علينا همج، رغم إن الرد اللى كتمناه جوانا ده بيبقى غالباً أبلغ رد على الهبل اللى بنسمعه...



قاعد مع قريبك الكبير الرخم...
- انتوا جيل بايظ.
الرد اللى بتضطر تقوله: معلش يا عمو مع إحترامى الكامل لحضرتك يعنى ده إختلاف أجيال وثقافات وأكيد جيلكم كان عنده خلافات مع الجيل اللى قبله برضه.
الرد اللى جواك: يعنى هو جيل أمك اللى كان سليم؟ بقى جيلنا إحنا اللى بايظ ياللى كنتوا بتشربوا السجاير اللى من غير فلتر من ورا أهاليكم؟ ياعم أستر نفسك جتكوا القرف!


نازل مشوار ومستعجل، والست والدتك راحت منادية عليك مخصوص جابتك من آخر السلم ...
- خلى بالك على نفسك، وبص كويس وإنت بتعدى.
- الرد اللى بتضطر تقوله: حااااااااااضر.
- الرد اللى جواك: لا تصدقى أضفتى كتير قوى بكلامك ده؟؟ انا فعلاً لولا الجملتين دول كان زمانى رميت نفسى تحت أول مقطورة قابلتها بس الحمد لله إنك لحقتينى!


مع مديرك فى الشغل...
- كل واحد يقولى حاجة ممكن تساهم فى تقليل تكاليف الشركة لأن الأرباح السنة دى نزلت.
- الرد اللى بتضطر تقوله: نعمل تحسين للإنتاج وتقليل لنسبة العيوب.
- الرد اللى جواك: إحنا نمنع المية والهوا عن الموظفين، وكل واحد يجيب معاه قزازة مية وأنبوبة أكسجين وهو جاى من البيت عشان يتنفس، وبكده نبقى وفرنا تكاليف ضخمة جداً، ولا أقولك هما يمشّوك من هنا والأرباح هتزيد لوحدها، هو فيه حاجة ودت الشركة فى داهية غير إدارتك الفاشلة؟ يا حماااااااااااااااااااار!


مع نفس مديرك فى الشغل...
- عايز الـ378 ريبورت اللى طلبتهم منك خلال ربع ساعة بالكتير.
- الرد اللى بتضطر تقوله: حاضر.
- الرد اللى جواك: يا بيه الحاجات اللى انت بتطلبها دى عيب وحرام وبيتهزلها عرش السموات والأرض!


فى الإنترفيو...
- قولى لى ليه إخترت شركتنا؟
- الرد اللى بتضطر تقوله: إخترت الشركة هنا لأنها بتتطور وتكبر بإستمرار وانا أحب جداً إنى أكون جزء من نجاح مؤسسة عظيمة زى دى.
- الرد اللى جواك: ياعم اخترت ايه؟ يعنى مانتاش شايف السوق واقف إزاى؟ انا ببعت السى فى بتاعى فى أى حته وخلاص والسنارة لقطت معاكم مش أكتر يعنى!


و فى ذات نفس الإنترفيو...
- اية أحسن ميزة فيك؟
- الرد اللى بتضطر تقوله: الدقة والإلتزام.
- الرد اللى جواك: عينيّا العسلى بروح أمك! اية السؤال الغبى ده؟ إنت أهبل يالا؟؟
                                                                                                      

فى إنتظار مواقف مماثلة منكم :D

أندرو جورج
06/02/2012

13 يناير 2012

الثوابت والماضى والشك - خواطر مفككة ملهاش أى تلاتين لزمة

-الثوابت-

كان فيه حلقة فى مسلسل "لوست" كانت فلسفية جداً -كعادة المسلسل- كان إسمها The Constant، الحلقة كانت بتحكى قصة أحد أبطال المسلسل "ديزموند هيوم"، وهو شخص إكتسب قدرة إنه يسافر عبر الزمن بعقله. والحلقة كانت بتحكى إنه كان قرب يتجنن لأنه كان بيتحرك بين ماضيه وحاضره بشكل جنونى ومكانش فيه أى محطة ثابتة قادر يقف عليها، ماضيه كان مختلف تماماً عن حاضره ومفيش أى حاجة مشتركة بينهم، وكان على وشك إنه يفقد عقله تماماً، لغاية ما إكتشف إن الحاجة الوحيدة اللى هتحافظ على عقله من الجنون هى إنه يلاقى "الثابت"، والثابت ده هو أى حاجة كانت موجوده فى ماضيه وإستمر وجودها فى حاضره، حاجة زى مرساة المركب كده بتثبته فى الوجود وتحقق له الإستقرار العقلى.
http://lostpedia.wikia.com/wiki/The_Constant

كنت مرة زمان كتبت مقال بالإنجليزى إسمة "البحث عن الثابت"، كنت بتكلم فيه على إن إزاى الشخص بيحاول خلال حياته يوجد حاجات ثابته حواليه، دعائم ضرورية للإستقرار النفسى للإنسان تحسسه إنه مثبت فى الأرض رغم كل التغييرات اللى بتحصل حواليه وبتحصل له هو شخصياً، وقد تكون الثوابت دى عقيدنه الدينية، أو أهله اللى مهما الدنيا إتغيرت هما مش بيتغيروا (إلا فى حال وفاتهم)، أو أحباب ورفاق حياة (رغم إنهم عرضه فى أى وقت للإنسحاب من حياة الشخص)، أو أماكن معينة كان بيزورها الشخص فى طفولته ومتغيرتش من ساعتها، أى حاجة زى
Reference Points
لما يلاقى نفسه تاه يرجع يبص عليها فيحس بالإطمئنان والثبات نوعاً ما.


-الماضى-
إعتزازنا بذكريات الماضى أحياناً بياخد منحنى مبالغ فيه زى ما بيحصل معايا ومع كتير من أبناء جيلى اللى الحاضر بيجرى حواليهم بسرعة الصاروخ، لأن الماضى هو الحاجة الوحيدة اللى فى حياتنا مش هتتغير أبداً، عشان كده بيجيلى حالة قرف فظيعة كل ما أحس إن حاجة من ثوابت الماضى بتاعتى بيتم تغييرها ولو للأفضل.

على سبيل المثال انا فاكر كويس إنى كنت متضايق جداً لما كنيسة الأنبا تكلا تم إعادة بناؤها لأنها كانت آيلة للسقوط تماماً، كل الناس كانت فرحانة لما شافوا الكنيسة الجديدة مكانها بس انا كنت متضايق جداً، أى نعم فيه كنيسة إتبنت بمعجزة ما بدل اللى كانت هتنزل على دماغ الناس اللى فيها، بس مش هى دى الكنيسة اللى كنت أعرفها من أيام وانا عندى 3 سنين، دى واحدة غيرها! مش هو ده المكان الثابت اللى كنت بروح أترمى فيه لما كنت بحس كل حاجة حواليا بتجرى وبتتغير بشكل جنونى، حتى الحاجة الثابتة بتاعتى غيرتوها؟ حتى الـ Panic Room اللى كنت بستخبى فيها وقت الخطر إختفت؟

ودلوقتى البيت اللى إتربيت فيه هيتهدّ ويطلع عمارة، واحد صاحبى لقانى متضايق جداً قال لى "يابنى مانت فى الآخر هيبقى عندك بيت كبير وشيك زعلان لية؟"، رديت عليه ببساطة "بس مش هيبقى هو !". والدتى بتسألنى مع كل ورقة قديمة مهترئة أتمسك بيها زى المجانين وأصمم إنها تتحط فى الكراتين اللى هننقلها معانا "يابنى إنت هتحتفظ بكل ده ليه؟"، أرد عليها وأقول لها "دى الحاجات الوحيدة اللى باقية لى"، تبصلى فى إستغراب ومتفهمش ردى العجيب ده !


-الشك-
أحد أهم أنواع الثوابت هى الثوابت اللى بتكون جوه الشخص، أفكاره المزروعة جواه، اللى هى أعمق ما يؤمن به الشخص. محدش يقدر ينكر إننا مهما إدعينا إن شخصياتنا إتغيرت تغيّر جذرى خلال مراحل حياتنا دايماً هتلاقى حاجات معينة جوانا مبتتغيرش ومحفوظة جوانا فى صندوق مغلق من أجل الحفاظ على إستقرارنا العقلى، والعبث بمكوّنات الصندوق ده عواقبه عمرها ما بتكون مأمونه أبداً.

خلال الكام يوم اللى فاتوا كنت مش عارف أوصل للإنترنت بشكل منتظم ومكنتش متابع الأخبار نهائياً، وقتها كنت مرتاح نفسياً بشكل معداش عليا من فترة طويلة! مفيش أخبار تحرق الدم، مفيش تعليقات متخلفة من شوية بهايم مش فاهمين حاجة أصلاً المفروض إنك متشتمهمش شتايم قبيحة لأنك مرتبط بفكرة "إحترام الرأى الآخر"، مفيش تصريحات من مسئولين تجيبلك شلل رباعى...
وفجأة رجعلى النت ولقيت نفسى جالى نفس إرتفاع ضغط الدم بتاع زمان.

ساعتها بس فهمت ليه الناس اللى مغمّية عينها وقافله دماغها على حاجة بتستميت فى الهجوم على كل من يحاول زعزعة إستقرار دماغهم، مين يضحى براحة البال الفظيعة دى ويروح عالم تشغيل الدماغ والتفكير اللانهائى اللى بيضيّع سلام الواحد الداخلى تماماً؟ مين بالذمة يضحى براحة البال والهدوء الناجمين عن تثبيتهم لأنفسهم بجذور ثابته فى الأرض، ويسمحولك إنك تقطع الجذور دى وتسيبهم فى مهب الريح؟ عشان كده بقى الناس المغيّبة بتستميت فى الهجوم على أى حد بيحاول يصحيها من الغيبوبة (أياً كان نوع الغيبوبة)، 

أبسط مثال للموضوع ده شفناه كلنا خلال الثورة، هو مثال أتباع حزب الكنبة، الناس دى قفلت دماغها على إن الرئيس الأب هو محمد حسنى مبارك، وإننا واكلين شاربين الحمد لله، الناس دى ثبتت نفسها فى الأرض بجذور الفكرة دى، وأى زعزعة للفكرة دى هيزعزع إستقرارهم النفسى، لو جيت سعادتك فرجت حد منهم على فيديو تعذيب مواطن فى أقسام الشرطة عشان تفتح عينيه على الواقع، توقع من الراجل ده أبشع ردود الفعل (حسب تماسك قواه العقلية)، لأنك هنا بتحاول زعزعة إستقراره النفسى وبتهدم ثوابته "مبارك الأب-بناكل وبنشرب-الحمد لله" اللى هو مثبت نفسه بيها فى الأرض، كأنك ماسك فاس ونازل ضرب فى العمود اللى محافظ على إستقراره النفسى، وبتهدم الدنيا على دماغ اللى خلفوه!

إحنا نفسنا حصل لنا كده مع كل صدمة مرت بينا فى حياتنا، انا فاكر من سنين أيام ما بدأت عينى تتفتح وبدأت أشوف الفيديوهات دى كان بيجيلى حالات إكتئاب وخوف بالأيام، وأيام اللى حصل لخالد سعيد كانت حالتى النفسية متدمرة، بينما الكنباوى الأصيل كان بينام قرير العين وهو مقتنع تماماً إن "الشرطة فى خدمة الشعب" وإن "خالد سعيد ده عيل صايع بلع لفافة بانجو"، ماهو لو مكانش بلع لفافة بانجو يبقى الشرطة هى اللى قتلته، ولو الشرطة اللى قتلته يبقى منظومة السلامة النفسية اللى عند صاحبنا ده هتتنسف تماماً وإستقراره النفسى هيروح فى ستين داهية، وبالتالى لازم يوجد لنفسه أى تبريرات تحافظ على إستقراره النفسى، العقل الباطن بيلعب ألعاب قذرة كتير عشان يأمن نفسه ويحافظ على الإستقرار النفسى للشخص اللى هو موجود بداخله.


-خاتمة-
اية اللى المفروض تقفل عليه وتعتبره ثوابت؟؟

الموضوع نسبى تماماً، ما بين شخص بيحط كل حاجة تخصه تقريباً فى الصندوق المغلق بهدف الحفاظ على نفسه، وده شخص بتلاقيه متعصب جداً لكل حاجة هو مقتنع بيها وصعب إنك تحاول تناقشه أصلاً فى أى حاجة لأنه بيبقى خواف جداً، ومرعوب على كل حاجة هو حاططها فى صندوقه، وممكن ياكلك لو حاولت تزعزع قناعته بأى حاجة حتى لو كانت بخصوص فوايد شرب اللبن اللى إتضح مؤخراً إن شرب كميات مبالغ فيها منه بيتسبب فى كوارث صحية متعددة!

وعلى الطرف التانى من الطيف هنلاقى الشخص اللى بيخضع كل حاجة للشك والتفكير والقياس، وده شخص عمره ما بيرتاح أبداً، كل شىء عنده محل شك، حتى إيمانه وحتى وجوده نفسه، ودول مع الوقت بيفقدوا عقلهم تماماً وبيتكتب عنهم فى التاريخ إنهم "فلاسفة" !

فى الوسط بقى بتلاقى الشخص اللى بيقفل على الحاجات الخطيرة فقط، زى عقيدته الدينية مثلاً وبس، وبيخضع كل حاجة تانية للشك، لكن المشكلة إن الوسط ده عامل زى الزئبق صعب تمسكه، وتلاقى نفسك بتحاول توسطن نفسك عنده دايماً بس غصب عنك بتجنح لليمين أو لليسار خلال فترات حياتك، يا بتحمى حاجات بزيادة فى الحقيقة ملهاش أى قيمة، يا إما بتفرط فى حاجات شديدة الأهمية التفريط فيها خطر جداً.

الثوابت ضرورية للحفاظ على إستقرارك النفسى،
لكن...
كل شىء حولك يتغير،
لذلك...
تحاول التمسك بالماضى بداخلك كنوع من الثوابت،
حتى...
يتسلل الشك إليك ويغيّر ما بداخلك،
وكلما...
توغّل الشك بداخلك أكثر وتغلغل إلى كل ما تؤمن به،
يؤدى بك إلى...
المزيد من التفكك،
ويدفعك دفعاً إلى ...
التمسك بالماضى أكثر،
كنوع من...
الثوابت الضرورية للحفاظ على إستقرارك النفسى،
وهكذا...

ما قلنا خواطر ملهاش أى تلاتين لزمة !

أندرو جورج
13-01-2012