17 فبراير 2014

إنتكاسة (قصة قصيرة جداً)

(غرفة يجلس بها شاب بمفرده ينظر إلى هاتفه الجوال الموضوع على المكتب ويتردد فى الإمساك به)

"أكونش إتسرعت؟ انا طول عمرى متسرع أساساً...انا...انا...انا هتصل بيها..."  

يمد يده للوصول إلى الهاتف ثم...

طرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااخ (قفا صاروخى يجعل وجهه يلتصق بالمكتب)

(يلتفت فى فزع إلى مصدر القفا)
- مين؟ أستاذ براد بيت؟! 
- انا مش براد بيت، انا كرامتك يا معدوم الكرامة، انا شخصية عملها عقلك الباطن عشان تحميك من اللى كنت هتهببه، ولو فكرت تقرب ناحية الموبايل هطلّع تلاتة *** أمك دلوقتى، فاهم ولا لأ؟
- هات الموبايل ملكش فيه.

طرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااخ (قفا نووى آخر من الناحية المعاكسة يجعله يقع فى حضن براد بيت)

(يلتفت خلفه فى فزع بينما يساعده براد على النهوض)
- أستاذ إد هاريس؟ إنت دخلت هنا إزاى؟!  
- حسيت إنه مش هيقدر عليك لوحده قلت آجى أساعد، مخابرات بقى وكده وهعرف أقنعك أحسن من الصايع ده.
- لأأأأأأأأأأأأأأأأأ...الداااااااااخلية بلطجـ....

طرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااخ (قفا نووى من الجهة الثالثة يجعله يلتصق بالحائط)
- أستاذ غسّان؟!!!!   
- لا ده انا كنت معدى قلت أشترك مع الإخوة الزملاء بس، إععععععععععععمل الصححححححح.
- يعنى أعمل ايه؟ أعمل ايييييييييه؟؟ ايييييييييييييييييييييييييييه؟؟؟؟؟
...
...
...
إصحـــــــــى يــــــــا زفــــــــــــت !!!!!

(يفتح عينه فى فزع)

- ايه يا ماما فيه ايه؟؟؟
- عمال تصوّت ليه وإنت نايم كده؟ وبعدين مالك نايم وواخد الموبايل فى حضنك زى ما يكون إبنك؟!

(ينظر إلى هاتفه الموجود بجواره)
- لأ ولا حاجة يا ماما، الظاهر كنت هكلم حد وراحت عليا نومة بس، تصبحى على خير.

== تمت ==

14 فبراير 2014

بخير حال (قصة قصيرة)

عاد وعيك مرة أخرى إلى أرض الواقع من العالم الضبابى الذى كنت فيه لفترة لا تعلم مداها بالضبط، لتقضى ثوانى قليلة محاولاً إبتلاع تفاصيل العالم الذى عدت إليه للتو، وتكتشف بعد تلك الثوانى أنك تشعر بملل قاتل تجاة تلك الأغانى المبتذلة التى كانت تنبعث من السماعات القابعة خلف رأسك تماماً طوال الوقت الذى كنت فيه فى عالمك الآخر. تسأل نفسك متأملاً "لماذا أصبحت تلك الأغانى كلها متشابهة هكذا؟"، ثم تقرر أن تنطق أخيراً بعد أن ظن أصدقاؤك أنك غالباً قد توفيت غرقاً أثناء جلوسك معهم فى السيارة المتحركة...

"- ...يابنى إسمع الكلام بس ومتجيبش سامسـ...
- ...جماعة ما تفتحوا أى حاجة فى الراديو شوية بدل أم الأغانى الإسطمبات دى، إنتوا بتستحملوا تسمعوها إزاى؟؟
- يا راااااااجل تصدق كنت نسيت إنك معانا أساساً! بس فكرة برضه، انا زهقت من الفلاشاية دى."

"...وبحبك عشان إنت حبيبى ونور عـ..."

ينقطع شلال الإسفاف فجأة بضغطة زر، فتشعر بنوع من الشماتة فى هذا المدعو "مُطرِب" لأنه لم يستطع إكمال جملته التى لم ولن تضيف للوجود أى شىء يُذكَر، وينبعث صوت الـStatic Noise المحبب للراديو. تنظر من النافذة المجاورة لك إلى الطريق المظلم فى تفكير عميق محاولاً أن تعثر على ترجمة عربية لكلمة Noise تكون أكثر تعبيراً من لفظ "ضجيج" فلا تجد، ثم لماذا هى Static أصلاً رغم أنها تبدو وكأنها متغيّرة بإستمرار بشكل ما؟

هنا تنتبه فجأة إلى غرابة أفكارك فتقوم بدفعها جانباً محاولاً العودة إلى إدعاء كونك شخصاً طبيعياً خرج فى نزهة بصحبة أصدقاؤه، لا مريضاً بالسكيزوفرينيا.

تحاول معرفة ماذا كانت فحوى الحديث الذى إشترك فيه أصدقاؤك –على ما يبدو للنصف ساعة الماضية-، يبدو أنهم يتحدثون عن الهواتف النقالة، تقوم بإلقاء أى جملة عابرة فى الموضوع وتنجح فى الإلتحام بالمناقشة العميقة بنصف ذهن فقط، بينما عاد نصف ذهنك الآخر ليعبث فى ذات المكان البعيد الضبابى الذى لا تستطيع أنت نفسك تمييز معالمه.

فى اللحظة التالية تستفيق كافة حواسك فجأة فى فزع على صوت ينبعث من المذياع لأغنية تبدأ لتوها، أنت تعرف هذه الأغنية جيداً، كان لديك دائماً القدرة على تمييزها بالذات من أول لحظاتها من كثرة إستماعك لها فى تلك الفترة السوداء من حياتك...

تشعر بالقلق الشديد، أنت تعلم جيداً ما كانت تفعله بك تلك الأغنية، لقد منعت نفسك من الإستماع إليها منذ فترة لأنها فى كل مرة كانت تعيد إليك ذكريات حاولت مراراً التخلص منها، وتعيد إليك حالة الصنم المتوحّد الصامت لمدة أسبوع على الأقل بعد سماعها، بدأت تشعر بالتوتّر ولا تعلم ما يجب فعله...

تفكّر...ماذا سأقول لهم الآن؟ إذا طلبت منهم تغييرها سأضطر إلى تحمّل ربع ساعة أخرى من المزاح الثقيل والسخرية، وإذا إستمررت فى سماعها سأقع فى تلك الهوة اللعينة التى أحاول إقناع نفسى بإستمرار أننى نجحت فى الخروج منها.

تقرر الصمت، تتخيل لو كانت تلك الأغنية قذيقة قادمة إليك من السماء، على الأقل حينها كنت ستضع يديك على رأسك وتجرى للإحتماء منها فى مكان ما، لكن أين لك أن تحتمى من مثل هذا الشىء الذى سيخترق أذنك بعد لحظات ويقوم بخنق روحك من داخلك حتى تكاد تشعر أنها ستخرج من قصبتك الهوائية؟ تقرر رغم ذلك أن تفضل الصمت وأن تتحمّل لحظات الرعب التالية على تحمّل سخافات أصدقائك التى لن تنتهى، وليكن ما يكون.

تمر من الأغنية الثوانى الأولى، الدقيقة الأولى، تمر دقيقتان كاملتان وأنت مازلت تنتظر أن تتأثر، أن تقع داخل الهوة السحيقة المعتادة، لكنك لم تتأثر حتى الآن، علامة تعجّب كبيرة تتجسد ببطء الآن فوق رأسك مثل الأفلام الكارتونية، تستمر الأغنية، ثلاث دقائق، أربعة، ثم تسمع صوت المذيعة ترحّب مرة أخرى بالسادة المستمعين وتبدأ فى الهذيان فى أحد المواضيع التى لا تهمك غالباً...

...ذلك المشهد فى الأفلام العربية القديمة حين كانوا يوشكون على تنفيذ حكم الإعدام على أحدهم، ثم يحدث شىء ما ليتوقف حكم الإعدام وينتهى كل الرعب فى لحظة!

أمازلت بخير حقاً؟! تنظر إلى جسدك بصورة كوميدية وكأنك تبحث عن موضع إصابة رصاصة إنطلقت نحوك حالاً لكنك لا تجدها، لم يصبك شىء، لم تشعر بشىء، لم تشعر بأى شىء على الإطلاق، وغالباً لن تعود تشعر بأى شىء أبداً...

تُفكّر فى نفسك فى عدم إكتراث "حسناً، لم أشعر بشىء، على الأقل لن أضطر إلى التحوّل إلى الصنم المتوحّد الصامت بسببها بعد الآن"، ثم تنظر ثانيةً من خلال النافذة المجاورة لك إلى الطريق المظلم، هذه المرة منشغلاً بعدّ الكشافات الموجودة على جنبات الطريق، لتنزلق ببطء مرة أخرى عائداً إلى عالمك الضبابى الآخر.

== تمت ==

اندرو چورچ
الخميس 13 فبراير 2014